ها قد مضى عام 2010 بخيره وشره تقنيا على الناس، وكان عاما لافتا بحق في التطور التكنولوجي في مجال الحواسيب والانترنت بشكل عام والهواتف الذكية بشكل خاص، اذ يمكن تسميته بعام الهواتف الذكية بعد حضورها اللافت فيه وانتشارها من جميع الشركات وتطور انظمتها وتطبيقاتها ومتاجرها وأيضا مبيعاتها العالية واقبال الناس عليها في كافة أنحاء العالم.

كنا سابقا قد كتبنا عن التوقعات الخاصة بالآي فون والآي باد لعام 2011، لكن دعونا نراجع بشكل سريع حصاد آبل وبالتحديد في مجال الآي فون والآي باد والآي بود تتش لعام 2010 والأثر الذي أحدثه هذا العام الحاسم في مسيرة آبل وتقنياتها.

1- اليوم تم الإعلان أن قيمة آبل السوقية تجاوزت الثلاثمائة مليار دولار وهو رقم هائل تعود حصة الأسد فيه بفضل منتجات مثل الآي فون والآي باد والآي بو تاتش، أي مايتعلق بنظام التشغيل الناجح جدا iOS والذي بدأ يمتد شيئا فشيئا على العديد من منتجات آبل وتُكيّف من أجله العديد من الخصائص والميزات في الأنظمة الأخرى.

    2- اذن باختصار فان كلمة السر لنجاح آبل عام 2010 هي نظام iOS الذي شهد صعوده وقوته مع كم المزايا والتقنيات التي تضمنها هذا النظام والتطوير المستمر له، ومن الجيد ان نشير الى النجاح الكبير الذي حققه هذا النظام والذي يعمل على الاجهزة الثلاث: الآي فون والآي باد والآي بود تاتش هي في مجال الألعاب بعد النجاح الساحق لها على منصته ونجاحه في تجاوز منصات عريقة وخبيرة فيها كنيتندو وسوني وغيرهم.

    3- مؤتمر آبل للمطورين WWDC والذي أقيم في منتصف العام الفائت كان جله يتركز على نظام iOS من خلال المحاضرات وورش العمل والكلمات وبه يدرك أهمية هذا النظام في السوق ولدى آبل أيضا حتى ظهرت دعوات تنادي باعتماده في الماك بدلا من نظام او اس الحالي! آبل اعتبرت وأعلنت في ال Sneak Peek الخاص بنظام الماك الجديد  OS X Lion الكثير من الميزات المستوحاة والمستلهمة من نظام iOS في مزج رائع لمزايا النظامين.

    4- العديد من المنتجات الجديدة تثبت أيضا نجاح هذا النظام مثل ظهور جهاز Apple TV الذي أصبح يعتمد على iOS مما يؤكد على نظرية الامتداد لهذا النظام.

    5- عام 2010 كان عام الآي باد أيضا بقوة ونجاح كبير لم تشهده أي أداة ربما في التاريخ التقني الحديث بمبيعاته الهائلة حول العالم ونجاحه المطلق في نيل رضا المستخدمين والذي يتطلعون الى الجيل الثاني منه بكل شغف.

    6- الآي فون 4 كان له نصيب أيضا من النجاح في عام 2010 بل نصيب كبير، فرغم المشاكل المفترضة فيه، وقضية ضعف الارسال والحرج الذي وقعت فيه آبل بسببها، الا ان الاقبال لم يكن ضعيفا عليه بل اجتاز أجياله السابقة، ولعل أناقة آبل ورصيدها السابق من ولاء المستخدمين ورضاهم نجح في تجاوز كل ذلك, وبالفعل فإلى جانب كل هذا قدم الآي فون 4 العديد من الميزات الثورية والجديدة، كتحسين دقة الكاميرا والفلاش المتضمن، وشاشة الريتنا عالية الدقة، وزيادة عمر البطارية، والفيس تايم، وغيرها من الميزات.

    7- لم تنس آبل أيضا قطاع الآي بود وأعادت التركيز عليه من جديد خصوصا بعد انخفاض مبيعاته أمام طغيان الآي فون والآي باد، وجددت خطوط انتاجه بطرح أجيال جديدة من الآي بود تتش والآي بود شفل والآي بود نانو، ورأينا كيف أن تجديدها هذا المبدع قد ساعد البعض في بناء نجاح على هذا النجاح بتحويل الآي بود نانو الى ساعة معصم!

    8- تواصل نجاح فكرة متجر البرامج: فقد كانت هذه الفكرة التي طرحت للمرة الأولى عام 2008 ببيزنيس موديل متفوق جدا قائم على مبدأ win – win – win : آبل تربح، المطور يربح، والمستخدم أيضا يربح من خلال جودة المنتجات والتطبيقات التي تقدم له، الدافع الأكبر للكثير لتقليدها ومحاكاتها، وذلك بعد أن دفعت آبل وفي غضون عامين أكثر من مليار دولار للمطورين كأتعاب على تطويرهم للتطبيقات وأيضا من خلال الاعلانات والنظام الجديد آي آدز iAds وبناء شبكة كبرى من التطبيقات في مختلف المجالات تجاوزت الثلاثمائة ألف تطبيق ورأينا من خلال الكثير من التطبيقات المبدعة والعديد من النجاحات كلعبة أنجري بيردس Angry Birds وبالفعل بدأت آبل في تمديد هذا النجاح ومحاولة اعادته هذه المرة مع متجر تطبيقات الماك الذي سيطلق قريبا.

    منغصات النجاح

    9- لم تكن تلك السنة على عظمتها بالنسبة لآبل خالية من المشاكل والعقبات والشوائب فلا بد من بعض الفشل هنا وهناك، حيث بداية لم يعمل نظام التشغيل الجديد iOS 4.0 ومابعده على الاجهزة القديمة للآي فون والآي بود تتش بشكل جيد بل ان بعضها لم يدعم اصلا كالآي فون في جيله الآول والآي بود كذلك وبعض الميزات لم تعمل للأجهزة الأخرى وعانى مستخدمو الثري جي من بعض المشاكل التي تحسنت لاحقا مع التحديث الأخير.

    10- على الجانب الآخر، لم يكن التحديث الجديد للآي تيونز واضافة الشبكة الاجتماعية Ping أمرا مسرا، ويبدو أن هذه الشبكة لم تلق النجاح المتوقع والمأمول منها حتى الآن خصوصا ونحن في عصر الفيس بوك! وبرأينا ما زال الآي تيونز كبرنامج يعد الحلقة الأضعف لدى آبل، ولا زلنا ننتظر أخبار الآي تيونز السحابي المتوقعة هذا العام!

    11- ولن ننس طبعا الضجة الأكبر التي حدثت حول الآي فون 4 ومشاكل الارسال وضعفه أو الانتينا غيت، والتي بلا شك أحدثت بلبلة وتأثير اضطرت معها آبل وستيف جوبز لعقد مؤتمر للتوضيح وشيء من الاعتذار او التبرير مع اهداء غطاء آي فون 4 لكل مشتر له.

    12- وبقي الآي فون الأبيض هو الغائب المنتظر من الجميع ولم نعرف السبب الحقيقي والواضح لعدم اطلاقه حتى الآن الذي تارة يعزى لمشاكل تصنيعية وتارة لأسباب مجهولة!!

    13- أما مشكلتنا المحلية والتي تفرق دمها بين شركات الاتصالات وبين آبل فهي الفيس تايم عربيا!! والذي حجب بغير وجه حق في العديد من الدول العربية بشكل رسمي، وجرى على اثره تنصل شركات الاتصالات من مسؤليتها حول الحجب والقائه على آبل والتي لم تكترث للموضوع أصلا، فسوق سنغافورة لديها أكبر من السعودية كلها وربما الخليج بأسره! وما زال الفيس تايم محجوبا لأجهزة الآي فون المحلية هنا، لكن آي فون اسلام فعلها وحرر هذا الحجب وان كان الثمن جيل بريك!

    الدروس والعبر

    دعنا من شركة آبل نفسها، فلدى شركة بحجمها ومكانتها بلا شك الكثير من الفرق والادارات التي تستخلص الدروس والعبر من سنواتها واعمالها وتضع الخطط والاستراتيجيات على أساس ذلك، ولانعرف الكثير نحن فعلا عن دواخلها لكن نجاحها هذا يعطينا ومضة عنها وعن طريقة عملها التي وصفها ستيف جوبز بستارت آب ضخم Start up مكون من فرق كثيرة كل واحد منها يدير مشروعا معينا.

    المطلوب هو نحن وشركاتنا العربية والشركات الناشئة وكيف نستخلص لأنفسنا الدروس والعبر من نجاح آبل ومن منتجاتها ومن أخطائها ومشاكلها لعلنا نرى مثيل عربي وأفضل في يوم من الأيام.

    1- سنة التدافع التقني: الشركات بمختلف مجالاتها كالأمم تتدافع ويحل بعضها مكان بعض في الصدارة والنجاح والتفوق والسيادة، وها نحن نرى بوضوح كيف يتجلى هذا الأمر في المجال التقني، فبالأمس كانت آي بي ام هي الأولى بلا منازع في عالم صناعة الكمبيوتر ثم غاب نجمها وان بقيت وما زالت تقدم الكثير بل ان ارباحها مثلا للربع الثاني من سنة 2010 تجاوزت المليارين! ورغم ذلك فهي ليست في عصرها بل هو عصر ديل واتش بي مثلا، وقل الأمر ذاته كيف سادت مايكروسوفت والآن جوجل، ونوكيا سابقا، وآبل الآن، ولا يعني ذلك ايضا غياب في كل المجالات، بل ربما تضعف شركة في مجال معين وتبقى قوية في مجالات أخرى، وها نحن نرى كيف ان هذا العصر عصر آبل خصوصا في مجالات الهواتف الذكية الذي ابتكرته منذ سنوات قليلة ثم مجال الاجهزة اللوحية ثم هاهي تعيد نفسها من جديد في مجال الاجهزة الشخصية بعد ان كانت ضعيفة في السنين الماضية، فهي أيام آبل الذهبية الآن ومن يدري الأيام القادمة ستكون.

    2- المعجزة والنقلة التي أحدثها ستيف جوبز خلال عشر سنوات عندما حول آبل من شركة مدينة أقرب للافلاس والانهيار الى ثاني أكبر شركة في العالم أجمع من حيث القيمة السوقية تجبرنا على التأمل الطويل ودراسة قصة النجاح هذه في “احياء الموات” وكيف انه بالفعل لا فشل في هذه الحياة فمن رحم مشاريعك الميتة ربما تولد اخرى جديدة اكثر نجاحا، ومن وحي ابداعك وخروج عن المألوف واناقتصك واهتمامك بكلا الجانبين، المخبر والمظهر ستكسب المزيد من الجماهير والعملاء والاسواق.

    3- يذكر روبين شارما ان ستيف جوبز نجح في كسب القلوب قبل الجيوب، وهذا هو الاهم، فأنت مثلا والجميع يُظهر الآي بود ويستعمله كقيمة عاطفية قبل ان تكون مادية، انه يحبه لأجله ولأجل مايقدم له وما يشعره من اكتفاء واناقة وتفوق، وهنا نجح ستيف في صنع وابداع هذه العلاقة بين المُنتَج والمستهلك وهنا رأينا كيف ان الجمهور غفر لآبل أخطائها مثلا في الآي فون 4 وابتاعه رغم كل شيء نتيجة رصيدها السابق لديه، وذكرت فعلا بعض الارقام ان صفوف المشترين للآي فون 4 تجاوزت في بعض المناطق اعداد من كانوا ينتظرون شراء تذاكر فرقة البيتلز الشهيرة في الستينات!

    4- لديك لكل منتج عملاء فلا تهملهم ولا تهملها: وهذا ما رأيناه واضحا في تجديد آبل لخط انتاج الآي بود وعدم اهمال محبيه ومستخدميه رغم انخفاض مبيعات بعض انواعه، ورأيناه أيضا في محاولة التوازن بعد طغيان الآي فون والآي باد في مؤتمر “العودة الى الماك” وتحسين انتاجه وميزاته في نسخته القادمة.

    5- المرونة ضرورية أحيانا: فبعد مشكلة آبل مع أدوبي حول الفلاش وتشديد آبل على وجوب البرمجة تحت منصتها، تعود آبل للتخلى عن هذا التشدد وتتيح للمطورين البرمجة تحت منصات عديدة ومن ضمنها الفلاش.

    6- الكعكة بها نصيب للجميع: فسوق الهواتف الذكية سوق ناشئ وضخم جدا ورغم بداية آبل الساحقة فيه الا ان التوازن عاد من خلال الأندرويد الصاعد بقوة، وآبل تدرك ذلك وتبذل كل جهودها لعدم تراجعها أمامه، واليوم تذكر الاحصائيات الى أن آبل مازالت هي الأولى فيه بزيادة طفيفة في الفترة الأخيرة مع تواصل صعود الأندرويد، ولا شك بأن تنوع الخيارات وتوازن لاشركات أمر ضروري للمستخدم والمطور على حد سواء والمنافسة تخلق سوق جيدة للجميع.

    7- لا تعد اختراع العجلة: هنالك أجهزة ذكية متطورة بالسوق حاليا ووضعنا الراهن عربيا لا يسمح باعادة اختراع العجلة والتفكير مثلا بواحد جديد، هذا ان اجترآنا على التفكير! لكن تستطيع ان تبدأ من حيث انتهى الآخرون وتستطيع ان تبني نجاحك على نجاحاتهم كما رأينا في كم التطبيقات المبدعة التي بنيت على منصة نظام iOS في متجر البرامج وفي السيديا كذلك، ورأينا الابداع الكبير في مجال الملحقات وللأسف حتى في هذا لا زلنا عربيا نتلمس الطريق ونقدم نماذج قليلة جدا بالنسبة الى حجمنا وعددنا واستهلاكنا!!

     

    مالذي يمكن ان نستخلصه من عبر ودروس أخرى من عام 2010 تقنيا بشكل عام وآي فونيا بشكل خاص؟ شاركنا بها

    مقالات ذات صلة