تابعنا خلال الأسابيع الماضية الخلاف بين هيئة الاتصالات السعودية وتطبيقات الاتصال مثل فايبر وواتس آب وغيرهم، والذي نتج عنه حجب فايبر داخل المملكة، ثم شاهدنا رد الإسرائيلي مؤسس فايبر بأن هذا الحجب سوف يتم اختراقه وسيعود التطبيق للعمل. الأمر لم يتوقف على السعودية فقط بل وصل إلى مصر حيث صرح رئيس جهاز تنظيم الاتصالات أنهم يدرسون حجب التطبيق عن العمل في مصر. هذه المشكلة تجعلنا نتساءل؛ هل الحجب هو الحل؟

ذكر تحديداً أن سبب حجب تطبيق فايبر هو أنه يخالف شروط هيئة الاتصالات وربما الأمر له شقّان؛ وهما:

  • أمني: وهو أن تكتشف الاستخبارات والجهات الأمنية أن التطبيق يتم استخدامه للتجسس على المواطنين. أو أن الجهات الحكومية نفسها تود أن يكون لها سيطرة على كل وسائل الاتصالات حتى لا تستخدم ضد الدولة سواء بين جواسيس في الداخل أو الإرهاب (وهذا من حق الدولة بلا شك، فحتى دول كبرى ترفع شعار حرية المواطن لكن في نفس الوقت تحكم السيطرة على كل وسائل الاتصالات وغيرها).
  • اقتصادي: وهو تحول نسبة كبيرة من المكالمات والرسائل المحلية والدولية ليتم إجراؤها عليه، وبالتالي خسائر لشركات الاتصالات التي عادة تسهم الدول فيها بحصة، بالإضافة إلى أنها تحصل على ضرائب منهم، وانخفاض أرباح الشركات يعني خسائر مادية للدول (وهذا أيضاً من حق الدولة بأن يعود مال الشعب لها وليس للخارج).

إذا كان السبب هو الأول فلا نقاش في ذلك وعلى كل نظام ودولة أن تطبق من الإجراءات ما يحفظ سلامة أراضيها وأمنها وشعبها.

وأما السبب الثاني وهو الجانب الاقتصادي فيحتاج إلى قليل من البحث، ولنرى تأثير واتس أب وفايبر وغيرهما من التطبيقات فلننظر إلى الأرقام التالية:

  • 27 مليار رسالة يتم تبادلها يومياً بواسطة الواتس أب.
  • 200 مليون مستخدم لتطبيق فايبر.
  • 250 مليون مستخدم لتطبيق واتس أب.
  • 25 مليار دولار خسائر لشركات الاتصالات العالمية في 2012 بسبب تطبيقات المحادثة والاتصال.

هذه الأرقام تعني وبشكل صريح خطورة فايبر والواتس أب وBBM والآي ماسج وسكايب وفيس تايم وغيرهم على الشركات.

تكبدت شركات الاتصالات مليارات لإنشاء البنية التحتية الخاصة بهم، وبعد ذلك جنوا مليارات أيضاً في عصرهم الذهبي. ومع الوقت بدأت وسائل الاتصال تتطور بشكل غير مسبوق وأصبح الاعتماد بشكل أساسي على الإنترنت سواء للاتصال بواسطة سكايب وفايبر والفيس تايم أو النصي مثل الواتس أب، وبدأ المستخدمون في التحول إلى هذه البرامج وتقليل الاعتماد على الاتصال التقليدي بواسطة الشبكة والرصيد، ومع ذلك فشركات الاتصالات مازال لها نصيب من الربح ففي النهاية هي من توفر خدمة الانترنت وإذا زاد الاعتماد على الإنترنت زادت أرباحهم، لكن للأسف الربح ليس كبيراً في هذه الحالة ولا يقارن أبداً بطرق الاتصال التقليدية حيث أن شبكات الاتصالات عليها تطوير بنيتها التحتية للتوافق مع سرعات الانترنت الجديدة. وهنا كان أمام الشركات خيارين الأول هو الحجب ومنع هذه التطبيقات وتقليل الخسائر والاستفادة من شبكة الاتصالات لأقصى درجة، والحل الثاني هو تطوير طرق الربح وابتكار أخرى تتواءم مع العصر. لكن الشركات اختارت تأجيل الحل الثاني لأطول مدة ممكنة والاعتماد على الحل الأول وهو الحجب لأنه الأسهل من وجهة نظرهم، لكن هذا الحجب لم يؤدِّ فعلياً إلى إيقاف التطبيقات بل أدى إلى انتشار التحايل عليه بواسطة تطبيقات البروكسي وتغيير الـ VPN من أجل اختراق هذا الحجب، فما الحل إذاً؟

إذاً ما الحل؟ لقد أثبتت التجربة أن الحجب ليس حلاً، ونحن نحب بلادنا ونتمنى لها كل خير، أيضاً نتمنى لكل شركة وطنية أن تدر ربحاً على الدولة الخير لأنه في النهاية -من المفروض- أن يعود علينا وعلى بلادنا بالخير والتقدم.

شركات الاتصالات لديها موازنات تقدر بالمليارات، ونحن الآن في عصر التقنية، فإذا قامت هذه الشركات باستثمار ملايين الدولارات فقط في مجال صناعة البرمجيات فتستطيع أن تحقق دخلاً يعوض ما تخسره، أي باختصار إذا كان المستخدم يريد تطبيقات تعمل على الإنترنت فلتكن هذه التطبيقات لي وبهذا ما أفقده من عدم استخدام الاتصال المباشر فإنني أعوضه من أرباح التطبيقات وما يعود عليها، فهل يعقل أن واتس أب وفايبر وسكايب وغيرهم لا يحققون أرباحاً؟ لا بالطبع فهم يدرون مئات الملايين من الدولارات، فلماذا إذاً لا تسعى هذه الشركات إلى تطوير وتقديم تطبيق عالمي ينافسهم وينتصر عليهم ولو محلياً؟ والمستخدم العربي لن يبخل في دعم تطبيقات بلاده إذا وجدها بالجودة والكفاءة العالمية. أليس كذلك؟ وما المانع أن نصنع نحن في دولنا العربية مثل فايبر وسكايب وواتس آب ونجعله تطبيقاً عالمياً؟


الخلاصة:

منع التطبيقات لن يكون أبداً الحل، فالتقنية تحارب بالتقنية وليس الحجب. ومهما تطورت تقنيات الشركات فدائماً التقنية المضادة تكون أكثر تطوراً، ولا يمكن منع شيئ تماماً في هذا الزمن. الحل هو تطوير تطبيق نملكه مماثل فتحصل الشركات على أرباح تعوض خسائرها. وهناك فوائد أخرى هي أن نتوقف عن استخدام تطبيقات إسرائيلية مثل فايبر والذي وصل بصاحبها من الغرور أن يتحدى المملكة العربية السعودية وقرارها بحجب التطبيق ويقول أنه سوف يخترق هذا الحجب ولن تستطيع منع تطبيقه من العمل، مما يشير إلى غرور وغطرسة كبيرين، ويبدو أنه نجح في ذلك بالفعل حيث لا يزال تطبيق فايبر ضمن أكثر التطبيقات المجانية تحميلاً في السعودية وكأنه لا يوجد له بديل.

نعلم أننا لسنا أفضل العقول في الوطن العربي ونعلم أن هناك من لديه أفكار أفضل من أصحاب الخبرات والكفاءة، لكن لماذا لا نرى حلولاً؟ لماذا نرى قررات لن تؤدي في النهاية إلى شيئ؟

فقط أردنا أن نثير هذا الموضوع ونطرحه للنقاش لعله يكون منكم رجل حكيم يتخذ قراراً يؤثر على مستقبل التقنية في الشرق الأوسط، ويرى أن المستقبل في صناعة التطبيقات فكما نرى تطبيقات مثل تويتر وفيسبوك وفايبر وسكايب وواتس آب أصبحت لهم من القوة ما يهز لها البلاد والعروش.

ما رأيك في قرار حجب بعض التطبيقات؟ وهل تراه حقاً ذا جدوى أم أن على الشركات والدول البحث عن طرق بديلة؟

مقالات ذات صلة