كلنا نعلم لعبة Angry Birds الشهيرة التي إكتسحت سوق الألعاب العالمي وغيرت موازين القوة في عالم الألعاب، فقد كنا في السابق نعتقد أن اللعبة كلما كانت أكثر تعقيداً وأكبر حجماً وتحتوي على الكثير من التفاصيل لتقدم لك تجربة لاتنسى من خلال تقديم عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد يحاكي الواقع ويجعلك تندمج بداخله، لكن سرعان ما اكتشفنا أن تلك ليست هي القاعدة، فقصة نجاح هذه اللعبة تجعلنا نعيد فكرتنا عن الألعاب، فقد ثبت لنا أن نجاح اللعبة لايعني تعقيدها، بل العكس هو الصحيح، فلعبة الطيور الغاضبة أو كما تسمى Angry Birds حققت نجاحاً منقطع النظير بالرغم من بساطتها المطلقة، فهي كما نعلم من أكثر الألعاب المرحة متعة وبساطة، فما سر نجاح هذه اللعبة وكيف حققت هذه الشهرة والإنتشار في غضون أيام قليلة على إطلاقها؟

اللعبة من إنتاج الشركة الفنلندية Rovio وتم إطلاقها في الشهر الأخير من عام 2009، وكان الظهور الأول لها على منصة الآي فون، وبعد أن بيع منها أكثر من 12 مليون نسخة من خلال متجر برامج أبل، أخذ المطورين يفكرون بالأجهزة الأخرى التي تدعم اللمس من غير أجهزة أبل، وبالفعل قاموا بعمل نسخ للعبة على العديد من المنصات وأنظمة التشغيل المختلفة ومن بينها نظام أندرويد.

اشتقت فكرة اللعبة من الطيور عديمة الأجنحة التي تعايش معركتها مع تلك الخنازير التي سرقت بيضها، وتحولت من العيش في سلام إلى الرغبة في الإنتقام، واللعبة تقدم لمستخدمها أنواع جديدة من الطيور المحاربة التي تظهر عند التقدم في المراحل، لتصارع بقائها وتحافظ على نوعها من الإنقراض.

قامت الشركة المنتجة بعمل العديد من الإصدارات المتلاحة وأتاحتها بالعديد من النسخ المجانية أو المدفوعة في خلال وقت قصير، ومع ذلك كان كل إصدار منها يحقق نجاحاً منقطع النظير، كما أن اهتمام الشركة بتقديم تحديثات مستمرة لكل إصدار وسعر البيع المتدني الذي وضعته لهذه اللعبة جعل من هذه اللعبة تحقق هذا الإنتشار، فكما نعلم أن بيع مليون نسخة من تطبيق بسعر دولار واحد أفضل بكثير من بيع عشرة آلاف نسخة من نفس التطبيق في حال ماتم تسعيره بعشرة دولارات، لكن هذه ليست القاعدة ان كان عدد الزبائن قليل فيكون وقتها التسعير بسعر اعلى هو الأفضل. وهناك عدة متغيرات في عالم البيع والتسويق فكبرى شركات الألعاب على منصة iOS مثل Gameloft‪,‬ EA‪,‬ Chillingo والعديد من الشركات الناجحة الأخرى تعمد إلى تخفيض أسعارها لتحقيق أعلى الأرباح، ولكن في منصات اخرى مثل البلاي ستيشن والأكس بوكس ترى ان سعر الألعاب اكبر وهذا كله يرجع للقوة الشرائية فكلما زادت قوة الشراء وكثر المنافسين قل السعر.

زنعود للعبة الطيور الغاضبة التي وصلت إلى أنظمة تشغيل الكمبيوتر فهي متاحة في متجر برامج الماك، كما أنها متاحة للعب أيضاً على متصفح الإنترنت كروم (يمكنك اللعب بها على السفاري أيضاً)، وأخذ القائمين على اللعبة بالتوسع لإنتاج منتجات الطيور الغاضبة إبتداءً من الحقائب والملابس وأغطية الهواتف ووصولاً لمكبرات الصوت والألعاب وحتى الأفلام والمسلسلات، وقد شاهدنا مؤخراً صدور فيلم Angry Birds Rio.

كل هذا ومازال هذا الإسم يتألق يوماً بعد يوم حتى باتت من أشهر الألعاب في العالم، والفضل يرجع لمستخدمي الآي فون فلولاهم لما فكرت هذه الشركة في الإنتشار ولعمدت على التفكير في لعبة أخرى قد تحقق بعضاً من النجاح، ومن الجدير بالذكر أن القائمين على هذه اللعبة لم يكن يجول في خاطرهم أو في أغرب أحلامهم أنهم سيحققون مثل هذا النجاح والشهرة، والأغرب أن هذا النجاح جاء من لعبة واحدة فقط وابتداءً من منصة واحدة أيضاً (iOS). حتى وصل عدد تحميلات اللعبة إلى مايفوق الربع مليار نسخة، حقاً إنه رقم ضخم!! والعد لايزال مستمراً.

إن التكلفة الإبتدائية لإنتاج هذه اللعبة في إصدارها الأول على منصة الآي فون فقط كانت تتجاوز المئة ألف يورو دون إحتساب التكاليف التي تم انفاقها على التحديثات. وفي العام 2010 بدأت الشركة المنتجة للعبة بالإعداد لنسخة خاصة بالفيسبوك‪.‬

منذ ذلك الحين واللعبة تجني العديد من الجوائز العالمية، وآخرها جائزة 2011 World Mobile Congress التي حصلت فيه على لقب تطبيق العام على منصات أبل وعلى جائزة أفضل تطبيق على الهواتف. لكن السؤال ماهو هذا السر وراء هذا النجاح؟ لعل الفيديو التالي يوضح لك بعض الأسباب التي حققت هذا الإنتشار لهذه اللعبة، في هذا الفيديو يتحدث Peter Vesterbacka مدير تسويق الشركة عن مفاتيح النجاح:

وهنا أود التركيز على بعض أسباب النجاح التي ذكرت مثل:

  • الإدارة الذكية: وهي أن تحقق النجاح في مجال معين أو على منصة معينة، وبعد أن تشتهر على تلك المنصة تبدأ بالنمو تدريجياً لتتيح منتجك على باقي المنصات الأخرى المشابهة ففي مثالنا هذا عرفت اللعبة بالنسبة لمستخدمي الآي فون، ليس هذا وحسب بل أنها حققت صيتاً كبيراً حتى لدى هؤلاء الذين لايستخدمون الآي فون، لذلك عندما أنتجت نسخ أخرى على أجهزة الهواتف الذكية الأخرى حققت نفس النجاح، بل ولم تكتفي بذلك بل أنها خطت خطواتها لأنظمة التشغيل الكمبيوترية ومتصفحات الإنترنت والفيسبوك.
  • شعور المستخدم بإبداع اللعبة: ذلك من خلال دعم أحدث التقنيات وأفضل الرسوميات واختيار الأصوات بعناية والإهتمام بكل صغيرة تجعل من المستخدم يشعر بتحكمه المطلق في اللعبة، هذه التفاصيل قد لايلتفت لها المستخدم ولكنها يجب أن يتم الإهتمام فهي إن لم توجد في اللعبة ستترك انطباعاً سيئاً لدى المستخدم وذلك يعني أن تجعل المستخدم يستغرق وقته في اللعب دون أن يشعر بالملل.
  • تبني جديد التقنية وجديد المنتجات: فعليك أن تواكب كل ماهو جديد، وأن تدعم الأجيال القادمة من الأجهزة كما فعلت الشركة مع لعبتها، فقد نظرت إلى ماسيجتاح السوق في الأيام القادمة مثل هواتف اللمس الذكية والتي راهنت عليها وعلى نجاحها، ليس هذا وحسب بل أنها بنت رؤيتها على الجهاز الذي اعتقدت أنه هو من سيتصدر عالم الهواتف الذكية في المستقبل وهيأت لعبتها على هذا جهاز الآي فون.
  • التدرج والإكتساح: فلا تحاول أن تنشر منتجك في كل الأسواق في آن واحد، فمثلاً يمكنك البدء على الآي فون ثم التوسع إلى المنصات الأخرى شيئاً فشيئاً، بذلك ستكتسح السوق بنجاح.
  • هل ترغب بالنجاح المادي: قم بتقديم سعر مغري، وضع أقل سعر ممكن لمنتجك. فاحياناً يكون المكسب من الانتشار اكبر.
  • ركز اهتمام الناس عليك: فلا تركز فقط على شراء الناس لمنتجك أو لعدد مرات التحميل، بل اجعل تركيزك على ألا يترك المشترين تطبيقك وأن يحوز على اهتمامهم، وقدم لهم تحديثات وإضافات مجانية باستمرار ليجدوا جديداً كل مرة.
  • تتبع أداء منتجك: وقم بملاحظة أوجه القصور فيه لإصلاحها، وركز على الجوانب الإيجابية التي تحوز على اعجاب الناس بمنتجك، لاتهمل أي اشارة تنم عن ضعف مبيعات منتجك فالسبب قد تستطيع تداركه قبل أن يودي بك في حفرة الخسارة التي لن تتمكن من الخروج منها بسهولة.
  • سجل منتجك: عليك أن تسجل حقوق الملكية الفكرية لمنتجاتك، حتى لاتجد من سرقها منك، خاصة بعد أن تشتهر. فكون أن منتجك مسجلاً لن يمكن لأحد أن يصدر منتجات تحوي اسم منتجك أو أحد رموزه دون موافقتك.
  • فكر جدياً بتسويق منتجك واشهار اسمك: لقد استغرق القائمين على اللعبة ثمانية أشهر فقط في التفكير للخروج بمنتج مختلف.

انني متشوق لمعرفة كيف سيمكنهم استخدام اسمهم وشهرتهم في المستقبل، لكن الواقع يرسم خطوط المستقبل، فكما قال Peter في الفيديو السابق “ان مستخدمي أبل فقط يستهلكون مايزيد عن 65 مليون دقيقة يومياً على لعبتنا” مما يجعلني على ثقة بمستقبل هذه الشركة، فقد استطاعت أن تشعر مستخدميها بالمرح أثناء اللعب دون أن يملوا من اللعبة.

هنا سنعرض بعض المنتجات التي عرضتها الشركة للبيع وتحمل اسم هذا المنتج السحري، وبالتأكيد هذه المنتجات أيضاً ستشهد إقبالاً منقطع النظير، ذلك بسبب أن الشركة استطاعت كسب حب الناس لهذه اللعبة وبالتالي سيفكر أي شخص في فكرة اقتناء مثل هذه المنتجات التي تحمل علامة لعبته المفضله.

نود أن لفت النظر أن هناك العديد من المنتجات والألعاب التي حققت نجاحاً منقطع النظير فمثلاً لعبة Angry Birds ولعبة Tiny Wings وشبكة التواصل الإجتماعي Twitter جميعها حققت نجاحاً كبيراً على منصة iOS، ونحن لازلنا نتسائل عن سبب نجاحهم، في اعتقادي أن العامل المشترك بين هذه التطبيقات أن جميعها تتعلق بالطيور وكلها حققت نجاحاً كبيراً فهل سيصبح مستقبل البرمجة في عمل تطبيق أو لعبة عن الطيور ;-)


كلمة مدير المدونة:
لماذا كل هذه الدراسة وكل هذا المقال عن اقل التفاصيل للعبة قد يقول البعض عنها تافهة!

  • هذه اللعبة حققت من المكاسب ما لم تحققه أكبر الشركات، وفي زمن قليل جداً وتعتبر ثورة اقتصادية بحد ذاتها، فبدل من ان تبني مبنى كامل في عدة أعوام لتستثمر فيه وفي النهاية تحصل على ما يقل عن مائة الف دولار، هذه اللعبة حققت اكثر من 15 مليون دولار في اشهر بسيطة.
  • هذه الدراسة المصغرة عن اسباب نجاح اللعبة لنستفيد منها نحن في أي فون إسلام واحببنا ان نشارك كل اخوتنا فربما نرى هذا النجاح يتكرر مع الشركات العربية وليس فقط في مجال صناعة الألعاب او البرمجيات فالنجاح من الممكن ان يتحقق في كل شيئ.
  • إخبار اخواننا الصغار ان الألعاب ليست للعب فقط، فيمكن ان تصبح مطور برامج وتصنع برامج والعاب مفيدة. فنحن ننتظر من هذا الجيل الكثير.
  • بناء اقتصاد الدول العربية والمسلمة أمر مهم جداً، والتقنية فرصة كبيرة، ويجب على الجميع سواء الشركات الكبيرة او الافراد النظر الى التقنية على انها فرصة كبيرة في الاستثمار والعمل.

في النهاية نود ان تصل لكم الفائدة بشكل ممتع كما حاولنا في هذا المقال ونود ان نخبركم ان موقع أي فون إسلام قد لا يقدم لكم مقالات كثيرة مثل المواقع الاخرى، لكن نعتقد ان مقال واحد في اليوم مفيد، افضل من عشر مقالات تسرد اخبار واشاعات غير مهمة

مقالات ذات صلة