تابع العالم خلال الأيام الماضية ما يحدث في حلب ومن قبل ذلك أحداث أخرى مثل حديث الرئيس التركي لقناة تلفزيونية عبر الفيس تايم من الآي فون أثناء الإنقلاب هناك، ومن قبلها الثورات العربية والأحداث الدولية. لسنا هنا للحديث عن السياسة لكن لنفكر هل غيرت التقنية الإنسان وردة فعله تجاه الأحداث؟ كيف سيكون الأمر مع نفس الأحداث قبل 20 عاماً فقط؟

كيف غيرت التقنية تفاعلنا مع الأحداث؟

من المعروف أن طبائع الإنسان تتطور طبقاً للبيئة من حوله. فقبل آلاف السنين عندما كان الإنسان بدائياً ويعيش في الغابات تطورت لديه حواس مثل سرعة رد الفعل والشم وتحليل الأصوات بدقة ليستطيع التعرف على الأخطار… ومن يعيش من البدو في الصحراء سيجد أنهم يستطيعون قراءة الأثر وتوقع الرياح وغيرها من المهارات التي تساعد الإنسان على البقاء. وهكذا تؤثر البيئة والعالم من حولنا على قدراتنا وردود أفعالنا.

نحن نعيش في عالم “سريع” وهذا الأمر يطورنا بشكل مستمر… في السابق عندما كنت تراسل صديق في دولة أخرى كنت تكتب رسالة بريد وترسلها وتنتظر شهر حتى يصلك الرد فكانوا يصبرون بشكل كبير لأن أسلوب الحياة البطيء هذا علمهم الصبر. في هذه الأزمنة وقبلها كان “الصبر” هو العنوان فنرى الآلاف من المراجع والكتب الضخمة التي تم تأليفها في هذه العصور وسلاسل الكتب سواء الدينية وغيره. وتجد أشخاص أسطوريين مثل الإمام البخاري رحمه الله يتنقل بين “أوزبكستان وتركمنستان وإيران والعراق وسوريا وفلسطين ومصر والسعودية” لتجميع الحديث. لكن ماذا عن اليوم؟  وكيف أثرت فينا؟

أصبح الآن في الإمكان إرسال رسالة لشخص يعيش في الطرف الآخر من الكرة الأرضية و يصلك الرد في ثوان معدودة. يمكنك طلب منتج من قارة أخرى ويصلك خلال أيام معدودة. ساهمت التقنية والهواتف الذكية في هذه النقلة فبدونها لما انتشرت مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشكل لكن كان لهذا أثار سلبية منها “نهاية الصبر”.

هل تستطيع قراءة مقال أو منشور على الفيسبوك يأتي في صفحتين؟ الإجابة للغالبية هى لا. جعلتنا التقنية “تيك أواي” بحيث يصعب أن نقرأ مطولاً. لا يمكن أن نرهق أنفسنا بالبحث عن معلومات. إن كنت لا تصدقنا راجع مقالتنا السابقة وستجد من يسأل عن سؤال تم الإجابة عنه في المقال نفسه. بل وفي أحد المقالات بدأنا بـ “بعد غد تعقد أبل مؤتمر…” هذا كان بداية المقال… تخيل أننا وجدنا أول تعليق يقول “متى المؤتمر” هل تتخيل هذا الأمر؟!!

هذا المناخ الذي هيئته لنا التقنية من سرعة وكثافة في المعلومات يجعلنا نستقبل معلومات أكثر مما نحتمل، فنحن الآن لا نقرأ جريدة محلية او نستمع للقصص من المسافرين والجيران، بل نطلع على العالم كله بما فيه من أحداث صغيرة وكبيرة، وهذا أدى إلى ما نشاهده الآن من تغيير في طباعنا وتكيفنا مع البيئة فأصبحنا لا نطيق القراءة المطولة لموضوع محدد وتغير تفاعلنا مع الأحداث بشكل سلبي، حتى أصبح لدينا عدم مبالاة أو أصبح رد الفعل لا يتماشى مع حجم الحدث، فالأحداث اصبحت تاخذ حجم غير حقيقي لها وقد تجد…

أحداث تافهة التفاعل معها عظيم وتجد أحداث عظيمة التفاعل معها تافه ولا يذكر.

اصبح رؤية اناس يقتلون ويذبحون لا يؤثر فينا، وكيف يؤثر وقد شاهدنا آلاف الفيديوهات والصور وأصبح الأمر عادي لا يؤرقنا ولا يجعلنا نسهر من هول المنظر، اطفال مشردون ايضاً عادي، ليس أول طفل نشاهده ولن يتقطع قلبي حزناً عليه. أصبح الأمر عادي.

أسوء من هذا هي مشاهدة ردة الفعل عندما نتصفح تطبيقات مثل فيس بوك ونشاهد منشور عن أناس يقتلون فيتغير وجهنا إلى حالة من الغضب، وبعدها بثوان نصل لمنشور بعده وإذا هو مشهد ظريف فنضحك، ونظل بين الضحك والبكاء، والمرح والغضب في حالة لا يمكن أن أسميها بأسم غير جنون العصر الحديث.

لا نعتقد أن هذا الجنون سوف يستمر، ونعتقد أن هذه الفترة سوف تمر، وسوف يعود الإنسان بتوازنه وفطرته إلى ما كانت عليه، لأن عواقب ما يحدث اليوم مدمر ويهدد إنسانية البشر وحياتهم، وما هي إلا فترة انتقالية تتيح لنا التعرف على أضرار وسلبيات التقنية وتفاديها، ويعود التوازن للعالم من جديد.

فهل تتفق معنا؟

مقالات ذات صلة