من الأخبار التي تكاد تكون تقليدية أن نسمع عن قضية بسبب انتهاك “براءات الاختراع” ولعل أشهر هذه القضايا الحرب الدائرة بين أبل وسامسونج وتتهم الأولى فيها الأخيرة بأنها تسرق تصميماتها وأمور تحميها براءات اختراع. لكن بالرغم من شكوى أبل من سرقة الآخرين لبراءات اختراعها لكنها هي نفسها تعدد متخصصة في سرقة براءات اختراع الجامعات وبالفعل تم إدانة أبل عدة مرات وتم تغريمها مبالغ إجمالية تفوق مليار دولار. لكن برغم الأحكام وبرغم القضايا لكن السرقات لا تتوقف. فلماذا لا تردع الأحكام والقضايا الشركات؟

لماذا لا تردع قضايا التعويضات الشركات حقاً؟


ما هي براءات الاختراع؟

ببساطة واختصار فإن براءة الاختراع هي أنك تقوم بابتكار شيء أو طريقة تنفيذ لشيء معين بشكل محدد. فمثلاً أبل لديها براءة اختراع لأيقونات تطبيقات بأحرف منحنية. هذا يعني أنه لا يحق لشركة أن تقدم أيقونات بنفس التصميم تماماً. يمكن أن تقدمها بشكل مختلف بأن تعدل في حجم الأيقونة وزاوية الانحناء مثلاً. وبالطبع براءات الاختراع لا تكون في أمور بسيطة كتلك فربما تكون في طريقة دمج 802.11n و 802.11ac وهما من تقنيات الواي فاي ويتم دمجهم معاً بطريقة معينة تقنياً وسجل معهد كاليفورنيا للتقنية براءة اختراع لنفسه بهذه الطريقة. وبالتالي عندما قامت شركة تصنع شرائح الاتصالات مثل Broadcom بتصنيع شريحة تدمج التقنيتين بنفس طريقتهم وباعوها لأبل قامت الجامعة برفع قضية على أبل وبرودكوم.

صورة توضح عدد براءات الاختراع المسجلة 2017 و 2016 وتصدر شركتي IBM وسامسونج

براءة الاختراع تحفظ حق الشركة في تصميم وتطوير شيء معين بطريقة معينة


لماذا تنتهك الشركات براءات الاختراع؟

لأن هذا طريق سهل. تخيل معي أن شركة سيارات كبرى تريد تأمين السائق من الحوادث الجانبية. فتجري أبحاث وتصل إلى فكرة وهى أن تضع داخل الباب عمود من مادة التيتانيوم بوزن 20 كيلو مثلاً وفي مكان معين. وتسجل هذا الامر براءة اختراع. ونجح الأمر وباعت هذه السيارة مبيعات ضخمة؛ الآن تريد شركة سيارات صينية عمل الأمر نفسه وتطبيق فكرة عمود التيتانيوم هذا. هناك طريقين الأول هو أن يقوموا بأبحاث فربما يصلون لاستخدام مادة أخرى مثلاً أو مكان آخر يعد مناسب أكثر بالنسبة لسياراتهم لكن الأبحاث قد تؤدي إلى مصاريف كثيرة وغير معلومة النتيجة فربما يصلون لطريقة تأمين أخرى لكنها أكثر تكلفة. إذاً فلماذا ننفق على الأبحاث فلنقلد السيارة الشهيرة.

بالمناسبة هذا المثال وإن كان ليس هو الواقع حرفياً لكنه فعلياً ما يحدث وهو من أسرار انخفاض التكلفة في المنتجات الصينية كالسيارات والهواتف بالمقارنة بالأوروبية والأمريكية. لأنه ببساطة يلجئون (معظم وليس الكل) إلى سرقة التصاميم وانتهاك براءات الاختراع. وميزانية الأبحاث في الشركات هذه منخفضة للغاية. بل إن ميزانية الأبحاث R&D في أبل وسامسونج مثلاً قد تفوق كل ميزانية العديد من الشركات الهواتف التي تأتي بعدهم.

الصورة التالية تظهر لك أكثر 12 شركة إنفاق على الأبحاث في 2017

السرقة طريق سهل لتنفيذ ما تريد


ماذا عن القضايا؟ لماذا لا توقف الشركات؟

مرة أخرى أنظر الصورة السابقة والتي توضح لك حجم الإنفاق على الأبحاث كم يكون. ما سبق هو الإنفاق في عام واحد فقط. سامسونج مثلاً أنفقت 12.7 مليار وأبل 10 مليار (زادت الرقم لاحقاً إلى 11.6 مليار). نعم هذه المبالغ تنفق في عدة مجالات وليس مجال واحد فأبل تنفق في تطوير معالجات والذكاء الصناعي والسيارات الذكية. وسامسونج تنفق في الشاشات والمعالجات والأجهزة المنزلية وغيرها. لكن في النهاية مبالغ طائلة وقد يحتاج مشروع إنتاج أمر واحد عدة سنوات. الآن انتقل إلى قضايا التعويضات؛ معظمها يكون 100-200-300 مليون دولار. التعويضات التي تتجاوز 500 مليون وتقارب المليار معدودة ونادرة. إذاً فالأسهل الشركة تفكر كالتالي:

◉ سوف أنفق 1 مليار دولار لأصل لتقنية مشابهة وهى ستجلب لي أرباح 4 مليار دولار. حسناً سوف أوفر الـ 1 مليار المنفق وأسرق التقنية وفي النهاية قد ادفع 0.5 مليار فقط تعويض في حين أنني ربحت 5 مليار (4 الأرباح وتوفير 1 أبحاث).

هذا ما يحدث فعلياً أو ربما يكون سبب آخر وهو:

سوف أحتاج عامين لكي أصل لنفس الأمر؛ سيتفوق منافسي علي بشدة. سأسرق الميزة وأدع فريق المحاميين يترافعون عن القضية والتي غالباً سيحكم فيها بعد 4 سنوات وسأغرم مبلغ أقل بكثير مما ربحت.

صورة لتوضيح حجم تعويض نصف مليار دولار في قضية استمرت 7 سنوات بالمقارنة بأرباح أبل أثناء فترة التقاضي. التعويضات لا تمثل شيء يذكر بالمقارنة بعائدات الشركة.

القضايا تستغرق سنوات وأرباح الشركات عشرات أضعاف التعويضات المدفوعة


لماذا لا يتم إلغاء براءات الاختراع ومنع احتكار الشركات؟

قبل أشهر دخلت نقاش مع صديق وقال لي أن براءات الاختراع هذه أمر سيء فهى تتسبب في تعطيل التقدم وأنه لا يجب على أي شركة أن تحظر أي تقنية عن أحد. فأجبت صديقي بأنه لولا براءات الاختراع هذه لكنا نعيش في القرون الوسطى. وطلبت منه أن يفكر مع ما السبب الذي يجعل أمازون مثلاُ تنفق 16 مليار دولار في أبحاث ثم تنتج شيء فتقوم شركة أخرى بتقليده فوراً!!! تكلفة المنتج في أمازون سوف يكون مرتفع للغاية لأنه يتم تحميل تكلفة الأبحاث على المنتج بينما الآخر لا يتحمل سوى تكلفة التصنيع. تذكروا مقال كم تبلغ تكلفة الآي فون وفيه ذكرنا أن تكلفة القطع تقريباً 300 دولار لكن هناك تكاليف تشغيل وأبحاث تصل إلى 200 دولار أو أكثر للقطعة أي تكون التكلفة الحقيقية تفوق 500 دولار. من غير المعقول أن تطالب جهة أن تنفق مليارات للوصول لتقنية أو دواء أو منتج ثم توفره للجميع مجاناً.

الشركات أسست لتربح الأموال وليس لكي تكون جمعية خيرية.


هل تتفق معنا في تفسير عدم ردع قضايا التعويضات للشركات؟ وإذا كان لديك وجهة نظر أخرى شاركنا بها في التعليقات.

المصادر:

statista | statista | Techcrunch

مقالات ذات صلة