الأسبوع الماضي تحدثنا عن نتائج الربع الرابع وملخص العام المالي 2018 من أبل –هذا الرابط– وفي نهايته ذكرنا أن أبل اتخذت قراراً غريباً ومفاجئ وهو إخفاء مبيعات الأجهزة العددية مستقبلاً. هذا القرار لم يكن بسيطاً فقد تسبب في انخفاض سعر سهم أبل 10% تقريباً “يقارب 100 مليار دولار” وطردت أبل خارج نادي الشركات الترليونية والتي كانت العضو الوحيد فيه. فلماذا اتخذت أبل هذا القرار الغريب وكيف سيؤثر على مستقبل الشركة؟ وهل السر هو توقع انهيار المبيعات؟

لماذا قررت أبل إخفاء أرقام المبيعات لأجهزتها مستقبلاً؟


توضيح هام

هذا المقال مبني على توقع وتحليل لسبب اتخاذ أبل هذا القرار؛ أي أننا نحاول تخيل كيف فكرت أبل وقياداتها عند اتخاذه؛ لا يعني أبداً أننا نؤيد هذا الأمر بل نحن غاضبون منه لأنه يحرمنا من متعة تحليل الأرقام ومقارنتها كما نفعل دائماً. أي أننا في هذا المقال نشرح قرار ولا نبرر قرار كما يظن البعض عندما نقوم بهذا الأمر التوضيحي.


المهم المال لا الكيف

قالتها أبل صراحة في التعليق وهو أن الهدف الأساسي لأي مستثمر في أي مكان هو أن يربح مالا أكثر؛ نعم هذه حقيقة فالشركات أسست لربح الأموال لا لكي تقوم بعمل إنساني؛ وهذا ما قصدته أبل وهو منطقي من الناحية المادية البحتة؛ فمثلاً أيهما أفضل أن تخبرك الشركة بأنها باعت 200 مليون آي-فون وربحت 10 مليار أم باعت 150 مليون آي-فون وربحت 20 مليار. المهم هو الأرباح لأنك مستثمر وليس هاو على الانترنت يريد رقم مبيعات مبهر ليغيظ به أصدقائه محبي الشركات الأخرى.

لذا قررت أبل إخفاء عدد الأجهزة المباعة وكل ما يخص “العدد” لكنها سوف تواصل إخبارنا بلغة المال كم كانت العائدات وكم ربحت من البيع.


تقليل تأثير الشائعات

هدف آخر تريده أبل بإخفاء أرقام المبيعات وهو أن تقلل تأثير الشائعات؛ فعندما نسمع شائعات عن أجهزة ماك مثلاً وأنه لا أحد يريد شراءها ثم نجد التقرير يقول ارتفاع في العائدات من ماك “سببه زيادة السعر كما سنشرح في الفقرة التالية” فهنا تبدأ الشائعات في الضعف تدريجياً لأنه مع الوقت المصدر سواء كان محلل معين أو صحيفة ما تفقد مصداقية فأكثر من مرة تتحدث عن انهيار قطاع ونجد العائدات تزداد فيبدأ المستثمر في تجاهل أي شائعات بخصوص الأرقام لأنها لا يمكن التأكد منها والمبيعات توضح زيادة.

حتى الآن كل ما سبق منطقي للغاية فلماذا غضب المستثمرون من قرار أبل إذاً وتسببوا في خسارة أبل 10% من قيمتها؟


العائد من ارتفاع الأسعار

هذه النقطة شرحناها تفصيلياً في مقال العام المالي –هذا الرابط– ونكررها بشكل مختصر هنا لأننا سوف نحتاجها؛ أبل بدأت مؤخراً في زيادة أسعار أجهزتها بشكل واضح وكبير. فتخيل أن الآي فون يصل سعر النسخة الأعلى إلى ما يقارب 1600$ أما الآي باد فوصل إلى 2100$ للنسخة الأعلى (أسعار كاليفورنيا شاملة ضريبة VAT) أي أن أبل تربح أكثر من رفع سعر الجهاز وليس زيادة القاعدة الشعبية وهنا الخطورة على المستقبل.

صورة توضح التكلفة في حالة رغبتك في شراء آي-فون وآي-باد النسخة الأعلى من متجر أبل كاليفورنيا.

لتعرف كيف يمكنك التلاعب بالأرقام؛ تخيل معي أن أبل تبيع 200 مليون آي-فون بمتوسط سعر 700 دولار أي إجمالي 140 مليار عائدات. والعام التالي انخفضت المبيعات لتصبح 175 مليون لكن زاد المتوسط ليصبح 800$ أي إجمالي 140 مليار أيضاً. فإذا أعلنت أبل عن أرقام المبيعات فسيظهر أن الأجهزة المباعة انخفضت لكن إذا أعلنت عن المبيعات وأخفت العدد فهنا سترى أن الرقم ثابت 140 مليار بل وزادت الأرباح (هامش ربح أبل مرتفع) وهنا سيكون الخبر إيجابي. وبهذا إخفاء رقم الأجهزة المباعة عكس الخبر تماماً من خبر سلبي إلى إيجابي.

انظر الصورة التالية وسترى أن عائدات الآي فون قفزت بشكل واضح في 2018 لكن رقمياً باعت أبل نفس عدد الأجهزة تقريباً حيث زاد الرقم من 216.7 مليون ليصبح 217.7 مليون فقط.


أهمية القاعدة الشعبية الكبيرة

هل مبيعات شركة سامسونج عام 2018 أكبر أم 2017؟ بالطبع 2017 كانت أكبر وكذلك كانت 2016 أكبر من 2017. لكن سامسونج تواجه مشكلة وهى الصعود الصيني (هواوي – شاومي – أوبو) لكن بسبب ضخامة قاعدة سامسونج الشعبية فهى لا تزال متربعة على صدارة الشركات. عندما يكون لديك 200 مليون عميل ويغضب 20 مليون ويقررون التغيير فهذا يعني 10% لكن إن كان لديك 100 مليون ويتركك 20 مليون فهذا يعني 20%. وهناك أهمية القاعدة الشعبية العريضة وهى أنها تؤمن انهيارك. لكن إن كان لديك عدد قليل من العملاء فإن تركهم لك سوف يسبب كارثة. لذا يحتاج دائماً المستثمر أن يعلم عدد مستخدمي أجهزة أبل ليعلم هل لديها عدد عملاء كبير فإذا صدر منتج به مشكلة وغضب البعض فلن يؤثر بشدة؛ أم العدد قليل فإذا غضب بعضهم وترك أبل فستكون كارثة.


الخلاصة

أبل تريد أن تقلل المعلومات المتوفرة بشكل كبير وبناء عليه سوف تصبح أكثر قدرة على مقاومة الشائعات والأخبار السلبية. وعلى الطرف الآخر المعلومات هامة للغاية للمستثمر فكلما قلت المعلومات أصبح الأمر غامض ومخاطرة إضافية وصعوبة أكبر في توقع المستقبل وبهذا يبتعد المستثمر العادي أو المحلل البسيط عن أبل ويتجه إليها فئتين فقط وهما كبار المستثمرين الذين لديهم مؤسسات تحليلية ضخمة تستطيع أن تعلم بدقة المبيعات؛ أو المستثمر البسيط للغاية الذي يثق في التفاحة ويراها سوف تصل إلى 2 ترليون وهذا الاعتقاد مدفوع بالحب والولاء لا المبيعات والأرقام

لذا لا تتعجب أن ترى تذبذب في سهم أبل خلال الأسابيع القادم صعوداً وهبوطاً لكن مع الوقت ستعود مرة أخرى إلى نادي الترليون بل وتعوض كل خسائرها (إن لم يكن هناك أزمات سياسية تؤثر على الاقتصاد).

هل الأسباب المذكورة مقنعة بالنسبة لك؟ أم أن هناك سبب آخر وراء إخفاء أبل رقم المبيعات لأجهزتها؟ شاركنا في التعليق

مقالات ذات صلة