بالأمس أعلنت سامسونج عن هاتف مميز للغاية وهو A8s والذي كان أول هاتف يصدر في العالم بتقنية سامسونج الجديدة للنتوء والشهيرة بـ O حيث تأتي الكاميرا أشبه بثقب في جانب الشاشة. الهاتف كان رائع كمواصفات فئة متوسطة عليا من معالج كوالكم سناب دراجون 710 وذاكرة تصل إلى 8 جيجا وسعة تخزينية 128 جيجا وعدد 3 كاميرا خلفيه بالإضافة إلى إلغاء منفذ السماعة وبلوتوث 5… ماذا !!! إلغاء منفذ السماعة في هاتف سامسونج!!! هذه هى المرة الأولى فسامسونج أسست مدرسة للسخرية من هاتف أبل لأنه بدون منفذ 3.5mm. فما الذي حدث يا سامسونج؟ أين ذهب منفذ سماعة جهازك يا عملاق كوريا؟

لماذا تهاجم الشركات أبل ثم تقلد خطواتها؟

بالرغم من أن المقدمة ساخرة لكن المقال غير ذلك فالمقدمة فقط كانت لرد سخرية عشاق سامسونج منا محبي أبل وكأننا حمقي ونشتري أجهزة من شركة ألغت منفذ الصوت؛ فها هى سامسونج تنضم للقافلة وتلغي المنفذ والأخبار تقول أن جميع الأجهزة فئة عليا وكذلك متوسطة عليا ستكون بلا منفذ سماعة. المقال سيكون لمناقشة فكرة واحدة وهى “لماذا”؛ نعم لماذا يحدث هذا الأمر ولماذا تقرر الشركات السخرية من أبل ثم تتبع خطواتها. أظن أن معظمنا يذكر جوجل التي سخرت في مؤتمر بيكسل 1 من عدم وجود منفذ السماعة في الآي فون ثم أعلنت عن إزالتها هى أيضاً في بيكسل 2.


توضيح هام جداً

هذا المقال هو “توضيح” وليس “تبرير” فهناك مشكلة ضخمة تحدث لدى البعض حيث يخلط بين المصطلحين؛ فعندما تقرر أبل أو سامسونج أو فيسبوك القيام بخطوة ونقوم بنشر مقال توضيح لسبب قيامها بهذه الخطوة نتعرض لهجوم شرس وأننا “نبرر” أو “نطبل”. التوضيح هو أن تشرح لماذا حدث هذا الأمر وكيف فكرت الشركة عندما اتخذته؛ أي كل ما ينشر هو أننا نتقمص دور الشركة ونشرح وجهة نظرها. أما التبرير فهو تبني وجهة النظر هذه ومحاولة إثبات أنها الوحيدة السليمة. ونتمنى أن يصل المعنى والفارق بين المصطلحين هذه المرة.


الفارق بين البائع الأساسي وصانع السوق

أخبرني أيهما يباع أكثر في الأسواق؟ الشواحن والكابلات المقلدة أم الأصلية؟ أي الملابس تباع أكثر العلامات التجارية الكبرى أم الملابس التقليدية؟ في كل سوق يكون هناك “صانع للسوق” وهناك بائعون آخرون؛ أحياناً يكون صانع السوق أو قائد السوق Market Leader هو أكبر شركة وأحياناً لا. فمثلاً في عالم المتاجر الإلكترونية صانع السوق هو أمازون وهو أيضاً ملك هذا المجال المتوج “خارج الصين”. فعندما تريد فعل شيء وتفكر هل يصلح فيخبرك آخر “نعم أمازون تفعل هذا” فهذا صك بأن هذه الخطوات تصلح. لا يعني هذا أن أمازون تبيع أكثر من كل الشركات الأخرى لكنه يعني أنها “تضع معايير السوق”. فعندما تقرر أمازون التركيز على محلات البقالة والخضروات تجد كل المواقع الكبرى على الإنترنت تبدأ في دخول نفس المجال.


كيف يوجد قائد السوق

هذا السؤال معقد وفعلياً لا يوجد إجابة واضحة له لكن هناك عدة طرق؛ فأحياناً يكون قائد السوق وجد بأنه أول من دخل هذا المجال وبهذا ارتبط ذهنياً لدى العامة بمجاله؛ وأحياناً يوجد مجال معين ويحظى بثبات واستقرار ثم تدخل شركة معينة وتقدم شيء مختلف فيكتسب شعبية ضخمة فتجرب باقي الشركات في السوق تقديم نفس الأمر فتجد مبيعاتها تزيد. وبعد فترة تقدم هذه الشركة فكرة أخرى ويتكرر الأمر نفسه؛ فيتعارف السوق ضمنياً بأن شركة “كذا” هى التي تقدم الأمور التي تغير توجه السوق؛ نعم نحن كشركات منافسه يمكننا تقديم نفس فكرتهم بتكلفة أقل بكثير منهم ونحقق بهذا مبيعات أكبر لكننا نظل في انتظار أن يقدموا هم الفكرة الجديدة. الأمر نفسه في العوام فهم ينظرون إليها بصفتها المبتكر وعندما تقدم شيء مختلف يقولون “رائع فلننتظر حتى يقلده الصينيون لنحصل عليه”.


أبل وسوق الهواتف الذكية

في سوق الهواتف الذكية تعتبر أبل هى قائد السوق… نعم ليست هى أكبر شركة مصنعة للهواتف؛ مركزها الثاني فقدته لصالح هواوي وستفقد الثالث العام القادم لصالح شاومي لكنها بقيت حتى الآن هى محرك السوق الأساسي ولننظر للتاريخ:

◉ عام 2007 : انظر للهواتف قبل أبل وبعدها وأخبرني هل نفس الهواتف الذكية القديمة استمر أم انتقل العالم لهاتف بشاشة باللمس وبدون أزرار؟

◉ عام 2010: هل تذكرون جودة الشاشات القديمة؟ ثم قدمت أبل مفهوم “ريتنا” وقال ستيف جوبز وقتها أن عدد ppi يجب أن يكون 300 وبالفعل تبارت الشركات بعدها لتقديم شاشات بجودة فائقة.

◉ عام 2011: أطلقت أبل سيري؛ ومنذ هذا الوقت وكل الشركات تعمل على مساعد شخصي ذكي لها.

◉ عام 2012: أطلقت أبل في العالم مفهوم البصمة بشكله الحديث؛ والآن أصبح أمر أساسي في أي هاتف يبدأ سعره من 100$.

◉ عام 2013: أطلقت أبل معالج A7 والذي كان الأول بـ 64Bit؛ قبلها كانت كل المعالجات 32Bit ثم قدمت أبل معالجها وخلال سنة أعلنت جوجل دعم 64Bit في الأندرويد.

◉ عام 2014: أطلقت أبل منظومة الدفع Apple Pay ومنذ هذا الوقت وكل الشركات بل وبعض المحلات مثل ستار باكس تقدم منظومات دفع مشابهه.

◉ عام 2016: أطلقت أبل للعالم “موضة” الكاميرا الإضافية في الخلفية ومنذ هذا الوقت والكاميرات الخلفية تزيد. كما أعلنت أبل إلغاء منفذ الصوت وبدأ الجميع تدريجياً في تقليدها وكانت آخر شركة سامسونج وألغته بالأمس.

◉ عام 2017: أطلقت أبل للعالم “موضة” النتوء وتقريباً أصبح هذا هو شكل الهواتف الحالي. بالإضافة إلى مفهوم بصمة الوجه الحقيقي.

◉ عام 2018: الشريحة الافتراضية مع الآي فون XS


تفوق الآخرين على أبل

أعلم أن هناك البعض الآن بدأ بالسخرية بل والسباب ويقول “أين الإنجازات؟” الشاشة؟ الآخرين قدموا شاشات أفضل وأكبر.. البصمة تطورت لدى منافسي أبل بشكل يفوقها؛ أما سيري فأصبحت بدائية بالمقارنة مع جوجل وأمازون. الكاميرا الثنائية أصبح هناك ثلاثية ورباعية أيضاً وحتى في النتوء الآن أصبح أجميل وأصغر بكثير من الذي تقدمه أبل. فلماذا تعتبرون أبل صانع السوق والآخرين الذين تفوقوا عليها ليسوا كذلك؟ وبالطبع لا ننسى أن النتوء سبقت فيه شركة Essential لأبو الأندرويد “أندي روبن” شركة أبل وقدمه قبلها بشهر… وكذلك كانت هناك هواتف بالبصمة قبل أبل وهواتف ثنائية الكاميرا قبل أبل وكذلك مساعد شخصي قبل أبل ودفع بالهواتف قبل أبل. والشريحة الافتراضية قدتها جوجل قبل أبل أيضاً. فأين تفوق أبل؟

صورة هاتف استنشل أول هاتف بنتوء


مفاهيم خاطئة عن صانع السوق

دعونا نصلح بعض المفاهيم عن صانع السوق وهى:

◉ صانع السوق لا يعني دائماً أنه أول من يبدأ التقنية.

◉ صانع السوق لا يعني أنه سيقدم دائماً الأفضل.

أكثر من مرة تحدثنا أن أبل ليست أول من ابتكر التقنيات بل براعة أبل في إعادة تعريف التقنية؛ ويمكن اختصار دور صانع السوق في عبارة “هيا بنا نركز في هذا المجال”. هذا هو دور صانع السوق. تخبر أبل السوق بأن نركز في شاشة أفضل. ويتسابق الجميع ويسبقون أبل. تخبر أبل السوق بأن الهاتف لابد أن يكون به مساعد ذكي؛ فتتفوق جوجل على سيري. أما أن تقوم بالاستمرار في التطوير بنفس الاتجاه فهذا ليس ابتكار. بمعنى أن تضع كاميرا ثالثة وشركة أخرى تضع 4 كاميرات خلفية وشركة ستقدم 5 وأخرى تقدم 6 وهكذا فهذا ليس ابتكار بل “تطور طبيعي”… التطور هو أن تنقل السوق لمجال ومفهوم جديد كلياً.


ميزة أبل القاتلة أمام منافسيها

أبل تمتلك ميزة تنافسية قاتلة أمام منافسيها وهى “الولاء و iOS” فعميل أبل هو الأكثر ولاء لشركته وكذلك هى الشركة الوحيدة التي تقدم هاتف بـ iOS وبناء على ذلك عندما تقدم أبل على خطوة عنيفة مثل إلغاء منفذ السماعة فعميل أبل يغضب لكن لا يترك الشركة ويستمر مع الآي فون. أما إن أقدمت هواوي مثلاً على خطوة تغضب مستخدميها ففوراً سوف يشتري سامسونج أو شاومي أو أوبو أو أو أو… لن يجلس ليفكر كثيراً فلديه عدد ضخم من الخيارات والولاء الخاص به إن وجد فهو “للأندرويد” وليس للشركة نفسها.


ماذا عن الشركات التي سبقت أبل

هل أبل أول من ألغت منفذ السماعة مثلاً؟ الحقيقة هى لا فقبل أبل بعامين وتحديداً في أكتوبر 2014 أطلقت أوبو هاتف R5 حيث فكرت الشركة أنه لجعل الهاتف نحيف علينا أن نلغي منفذ السماعة. فماذا كانت النتيجة؟ لم يحقق الهاتف النجاح وبعد 6 أشهر فقط أطلقت أوبو النسخة الأحدث R7 وأعادت منفذ السماعة (حاولت أوبو لاحقاً تحديث الهاتف للنسخة R5s وأيضاً لم يحقق النجاح). ونسيت أوبو إلغاء منفذ الصوت حتى قدمت أبل هذا الأمر في نهاية 2016. فلماذا نجحت أبل فيما فشلت فيه أوبو؟

صورة هاتف أوبو R5 عام 2014

الإجابة هى النقطة السابقة فأوبو عندما قدمت هذه الفكرة كانت تقدمها أنها “موضة” وشيء مختلف وكانت شركة صغيرة فلم يهتم العالم بها من الأساس (أظن أغلبكم لم يسمع عن قصة R5 أصلاً) وتجاهل المشتري الهاتف. لكن أبل عندما قدمتها قالت للعالم أن هذا هو شكل الهواتف الجديد.

ومثال آخر حالي وهو الشريحة الافتراضية E-SIM حيث قدمتها جوجل في بيكسل قبل أبل لكن مرت شهور وأكثر من عام؛ هل سمعتم أحد يتحدث عنها؟ الآن بعد تقديم أبل لها بدأنا نرى شركات الاتصال حول العالم تتحدث عن دعمها قريباً. هذا هو الفارق بين تقديم تقنية من شركة تقليدية وتقديمها من قائد السوق.


المقال بشكل مختصر

قائد السوق هو شخص/شركة تقوم بالبحث عن تقنية أو منتج معين؛ ربما وجد قبلها وربما لم يوجد لكنها تمتلك الجراءة أن تقوم بتنفذه وتمتلك الشعبية بأن تجعل هذا الشيء منتشر. قد توجد التقنية والمنتج قبل “قائد السوق” لكنها تبقى مغمورة وغير متبناه حتى يقدمها قائد السوق فهنا تحقق انتشار وسبب أنها “مغمورة” إما لأنها لم تقدم بشكل جيد وعملي أو لأن صانعها غير معروف أصلاً. وتذكروا أنه عندما نذكر “تابلت” يخطر في ذهنا آي باد بالرغم من أن ستيف جوبز قدمه في 2010 بينما سبقه بيل جيتس وكشف عن جهاز لوحي في 2000 لكن الأجهزة اللوحية ظلت مغمورة حتى تبناها قائد السوق أبل وقدمها بشكل عملي.

في رأيك هل تعتبر أبل قائد ومحرك سوق الهواتف الذكية؟ أم أن هناك أسرار أخرى لتقليد الجميع لها فيما تقدمه؟

مقالات ذات صلة