عندما أسس ستيف جوبز وستيف وزنياك أبل كانوا وقتها يشترون قطع العتاد ويصنعون الأجهزة ويتم بيعها. وتوسعت أبل في عدة مجالات حتى أنها كانت تصنع طابعات و ماسح ضوئي “سكانر” وكاميرات تصوير. وعند عودة ستيف إلى أبل منتصف التسعينات بدأت إعادة هيكلة شاملة في أبل وتغيير في القيادات وتم تعيين تيم كوك كمسئول عن العمليات وكلفه جوبز بحل مشكلة المصانع والمخازن وخطوط الإنتاج فهنا قرر تيم كوك إغلاق المصانع. والآن وبعد 20 سنة من وصوله إلى أبل يبدو أن تيم قرر تعديل سياسته وإعادة فتح مصانع أبل؛ فلماذا أغلقها قديماً ويفتحها الآن؟ وهل تنجح أبل في سياسته التي تجعل مستقبلها أشبه بالماضي؟

هل تنجح رحلة أبل المستقبلية إلى الماضي؟


لماذا أغلقت تيم مصانع أبل؟

القرار كان صادم للغاية وقتها وعلق كوك على هذا قائلاً “ الأمر في أبل وكأنك تدير مصنع ألبان، إن لم تكن المنتجات طازجة دائماً فهناك مشكلة” وهذا حقيقي فعندما يكون لديك مصنع ستواجه سلسلة من المشاكل مثل:

1

تحدي الأفضلية: عندما يكون لدى سامسونج مثلاً مصنع شاشات فهى لن تذهب إلى شركة أخرى لشراء شاشة بل سوف تلتزم باستخدام منتجها غالباً (أحياناً يكون هناك صفقات مثل صفقة سامسونج كوالكوم بالمعالجات). وبهذا ستجد أبل نفسها ملزمة دائماً باستخدام المنتج الذي صنعته؛ فإذا كان هناك أفضل في الأسواق سيكون جهازها متخلفاً عنه.

2

تحدي الوفرة والعجز: عندما يكون لديك مصنع سيكون لديك خطين باللون الأحمر في الإنتاج؛ الأول علوي وهو الحد الأقصى ولا يمكن للمصنع تقديم المزيد؛ فإن كانت قدمت منتج رائع ويطلب منك المزيد لكن المصانع تعمل بالطاقة القصوى؛ فالنتيجة أن تخسر هذه المبيعات لأنك لا يمكن تلبيتها. والعكس أيضاً فالمصانع وخطوط الإنتاج لها حد أدنى؛ وهناك عمالة تتقاضى راتب بشكل دائم. ماذا إن كنت تتوقع حجم مبيعات معين وقمت بالإنتاج ثم لم يحدث الطلب المستهدف وبدأت وفرة في المخزون؟ سيكون عليك إيقاف الإنتاج. لكن العمالة موجودة وتتقاضى راتب مستمر حتى في حال عدم عمل المصنع. بل وفي الانتاج نفسه يكون هناك حد أدنى للتصنيع وإلا تزداد التكلفة بشكل مبالغ فيه. عندما لا يكون مصنعك فأنت غير مسئول عن موظفيه؛ أنت فقط تشتري ما يناسبك وتترك المصنع نفسه ولا تجدد عقده إن أردت.

3

تحدي التوسع: بناء المصانع أمر يستغرق شهور وأحياناً سنوات ويحتاج مبالغ ضخمة؛ ونتذكر أن سامسونج عندما كانت تصنع معالجات أبل فكرت في التوسع في مصنعها فكانت التكلفة 4-5 مليار دولار. ونفس الأمر LG التي تنفق مبلغ مماثل الآن لبناء مصانع شاشات OLED من أجل الآي فون ويستغرق هذا ما يقارب العامين. فهنا أي توسع الشركة تريده عليها إنفاق مليارات ثم انتظار عام أو عامين حتى يصل الإنتاج الجديد. فتخيل أنه بعد هذا الإنفاق الضخم والمدة وجدت أن شعبية المنتج انخفضت؟ خسائر ضخمة.

4

جيش من العمالة: كلما زادت مصانع يزيد عدد العمالة؛ شركة سامسونج للإلكترونيات يعمل بها 310 ألف موظف ومجموعة سامسونج بشكل عام بها نصف مليون موظف. شركة فوكسكون بها أكثر من 800 ألف موظف وكانوا أكثر من مليون سابقاً أما متاجر وول مارت WalMart فيعمل بها 2.3 مليون موظف منهم 1.5 مليون في أمريكا فقط. وكلما يزيد عدد العمال تزيد المشاكل وتحتاج الإدارة لمجهود ضخم وخاصة أن الفئة الأساسية تكون “عمال” وليسوا مهندسين وبالتالي رواتب منخفضة وظروف تشغيل صعبة وطويلة فتحدث إضرابات مثل التي رأيناها في مصانع فوكسكون في الصين وحتى حدثت مع عمال سامسونج في مصنع التلفاز الخاص بها في مصر بعام 2014. الخلاصة “عمال أكثر مشاكل أكبر”.

هناك عدد كبير من الأسباب والعقبات وراء قرار تيم كوك بالتخلي عن المصانع وإغلاقها لكن نكتفي بما سبق لإعطاء فكرة عامة.


كيف كانت أبل تنتج أجهزتها؟

قرر تيم كوك أن تلغي أبل المصانع “تصنيع المنتجات” وتبدأ في الشراء؛ وبهذا تحظى بميزة أن تختار هى الأفضل في الأسواق؛ فإن كانت الشاشات هذا العام من سامسونج هى الأفضل كان بها وإن كانت LG نترك سامسونج وهكذا. أما بالنسبة لعقبة السعر فتكلفة تصنيع الشيء ستكون أقل من تكلفة شراءه بالطبع من الآخرين فهنا كان الحل هو حجم الطلبات الخاص بأبل. حيث تتسابق الشركات لتقديم عروض سعرية أقل للحصول على صفقة أبل الضخمة. وحتى فوكسكون نذكر أن ستيف جوبز ضغط عليهم لتقليل تكلفة التجميع مما جعل الشركة تضاعف ساعات العمل بدون زيادات حقيقية في الأجور وكذلك تستخدم ظروف غير صحية مما تسبب في وفيات وأمراض بين العمال وحالات انتحار شهيرة. فالخلاصة أبل تشتري كمية ضخمة والكل يسعى لها.


التطوير والتطوير والتطوير

في البداية كانت أبل تشتري الأفضل في الأسواق فقط؛ ونذكر الآي فون الأول الذي كانت جهاز سامسونجي فعلياً فالشاشة سامسونج والذاكرة والسعة التخزينية و البطارية والمعالج من سامسونج. لكن مع مرور الوقت وحدت أبل أن المتوفر في السوق أقل من احتياجاتها فقامت بتعيين جيش من المهندسين وظيفتهم تطوير براءات اختراع وتصميم المنتجات سواء تقنياً أو هندسياً وصناعياً وبعد الانتهاء تبدأ أبل في التفاوض مع كل المصانع من يمكنه تقديم نموذجها. وبهذا فازت أبل بشكل مزدوج فالشركات تطور وتتنافس وتسجل براءات اختراع لتقديم أفضل منتج ثم تأتي أبل وتعدل على الشكل النهائي بما تملكه هى من براءات اختراع. والنتيجة أمامنا أن رأينا شاشة الآي فون X ثم XS التي تصنعهم سامسونج تتفوق على شاشات هواتف سامسونج نفسها. أي يتفوق منتجك على صاحب الشأن والسر أن شاشة XS مصنعة بتقنيات أبل وسامسونج بينما شاشة نوت 9 مصنعة بتقنيات سامسونج فقط.


لماذا مصانع أبل إذاً؟

مثال آخر صريح يمكن أن يجيبنا وهو معالج الآي باد A12X يتم تصنيعه في TSMC وهذه الشركة لا تعمل فقط مع أبل فهناك شركات مثل كوالكوم وميديا تك وAMD وغيرهم تقوم بتصنيع المعالجات لهم. فما الذي حدث؟

أي منتج يحتاج هو عبارة عن مزيج من إدارة عملية إنتاج ومصانع وكذلك تطوير المنتج نفسه “ماذا ينتج”. قديماً كانت أبل تفعل الإثنين ثم توقفت تماماً وقالت نشتري الأفضل؛ ومع الوقت بدأت تركز على تطوير بعض المنتجات وعلى رأسها المعالج. ووجدت أنها تفوقت في المعالج بالفعل تطويرياً فهنا فكرت لماذا لا نستمر؟ وهذا السر أننا نرى فائض من الأخبار تتحدث عن:

شاشات mLED: شاشات جديدة تقوم أبل بتطويرها منذ سنوات وتسعى أبل لتوفير بديل خاص بها لشاشات OLED الحالية لكن يحتاج وقت. راجع مقالنا الخاص بهذه الشاشات من هذا الرابط.

شريحة اتصالات: أخبار حديثة أن أبل تعمل على تطوير شريحة اتصال خاصة بها.

شريحة PMC: شريحة التحكم في الطاقة Power Management Chips وتسمى أحياناً PMICs والتي وظيفتها إدارة استهلاك الجهاز. وكانت أبل لسنوات تعتمد على شركة Dialog لتصنيعها لها لكن مؤخراً ظهرت أخبار أن أبل تريد تصنيعها بنفسها ثم قبل 3 أشهر أكدت أبل الخبر ضمنياً بتوقع عقد بقيمة 600 مليون دولار تسمح فيه الشركة لأبل باستخدام تقنياتها في تصنيع منتجاتها. أي أبل اشترت حق استخدام تقنيات Dialog لثلاث سنوات.

المعالج: أخبار صريحة قالت أبل أبل تخطط للاستغناء عن شركة Intel في حواسب ماك واستبدالها بمعالجات من تطويرها هى لكن يتوقع أن يكون هذا بحلول 2022 على الأقل.

وما سبق ليس إلا نذر يسير من الأخبار التي تتحدث عن منتجات تعمل عليها أبل. ونقصد هنا أن أبل تقوم بتطوير التصميم ثم تعتمد على شركات مثل TSMC لتصنيعها. وفي الماضي مثلاً كانت أبل تشتري شريحة اتصال كوالكوم أو إنتل وتقوم هذه الشركات بالتطوير والتصنيع يتم في شركات مثل TSMC في حال كوالكم وتملك إنتل مصانع خاصة بها “بنسبة كبيرة”. فأبل تريد استبدال عملية التطوير هذه لتكون منها مباشرة. وتسمى عملية التصنيع هذه بالـ Wafer fabrication.


حماية من الأزمات والابتزاز المالي

كانت فلسفة أبل قائمة على أنها عندما تشتري المنتج الأفضل؛ سيكون هناك منافسة كبيرة في السوق وتختار هى الأفضل؛ لكن في السنوات الماضية صدمت أبل مرتين؛ في مجال شاشات OLED وجدت تفوق كاسح لشركة سامسونج فهى الوحيدة القادرة على تقديم شاشات بالكم الذي تريده أبل. وفرضت سامسونج على أبل مبلغ ضخم مقابل الشاشات مما دفع أبل إلى التعاون مع LG لمساعدتها على بناء مصانع لتكون بديلة عن سامسونج. وتكرر الأمر بشكل أكبر مع شركة كوالكوم التي اكتسحت عالم شرائح الاتصال وطالبت أبل بالدفع المزدوج أي تشتري أبل شريحة اتصال وتدفع رسوم استخدام للشريحة فهنا شنت أبل حرباً قضائية على كوالكم ويبدو أنها ستخسرها وبالفعل خسرت في الصين ومؤخراً ألمانيا وأزالت أبل هواتف 7 و 8 من المتاجر هناك.

فأبل تريد حماية نفسها من هذا الأمر؛ السوق لم يعد متوفر به منافسه ونختار الأفضل ونتركه ونذهب للمنافس؛ فالأفضل عندما يكون جهة واحدة سوف تدفع أبل أموال ضخمة.


الخلاصة

أغلقت أبل المصانع لتقليل المشاكل وخطوط الانتاج وكما قال تيم بأن تتخلص من معضلة شركة الألبان فأن يكون انتاجك طازج. ثم بعد سنوات وجدت السوق إما لا يوفر ما تريده أو لا يوفره بسعر مناسب وهنا عادت مرى أخرى للتصنيع لكن هذه المرة ربما تكتفي بالتطوير والتصميم وليس مرحلة الإنتاج نفسها. فترى هل تنجح؟ هذه الخطوة تسببت في تضاعف ميزانية الأبحاث R&D بشكل كبير يكون الناتج متوافق مع المنفق أم تضيع المجهودات سدى وتخسر الشركة أموال وكذلك المصانع التي تخلت عنهم من أجل منتجاتها.

 

ترى هل تنجح آبل فيما فشلت فيه سابقاً بأن تطور هى منتجاتها بدلاً من شراء الأفضل؟ شاركنا رأيك في التعليقات

مقالات ذات صلة