من أكثر النقاشات عنفاً التي نراها في التعليقات تلك التي تتحدث عن الأمان والخصوصية فالبعض يجدها فرصة للسخرية من الأندرويد وقول إن iOS أكثر أماناً والبعض الآخر نجده يعلق بأنه ليس لديه ما يهم للغاية ويغري الآخرين بالتجسس. في هذا المقال سنتحدث عن النقطتين؛ هل الخصوصية هي رفاهية حقاً؟ وهل نظام iOS أكثر حماية للخصوصية من الأندرويد؟

هل حقاً الخصوصية أمر رفاهية؟

هناك مفاهيم غير دقيقة عن الخصوصية وأهمية حمايتها؛ فالبعض يظن أنه شخص عادي وكذلك “رجل” ولا يستخدم بطاقات ائتمان على هاتفه أو حاسبه وبناء على ذلك لا يوجد ما يخاف عليه بشأن الخصوصية؛ فمن يريد أن يخترق أو ينتهك الخصوصية لن يجد شيئاً مهماً. هذا الكلام قد يكون صحيحاً في حالة هاكرز يقصد اختراق جهاز لشخص محدد كشخصية مشهورة أو مسئول بنكي أو سياسي. لكن الحقيقة أن اختراق الخصوصية يكون أكثر تعقيداً من هذا الأمر. ولتعلم أهمية الخصوصية حتى للشخص العادي سنخبرك بمثال عن جهة مشهورة جداً بانتهاك الخصوصية وهي “فيس بوك”.

يهدف فيس بوك دائماً ومثل أي خدمة اجتماعية إلى دراسة مستخدميها ومعرفة ماذا يفضلون وذلك بهدف أن تجعلك تطيل من فترة استخدامك له. لذلك دائماً يجري تجارب على المستخدمين دون إخبارهم بأنه يتم إجراء تجربه عليهم. فمثلاً في الفترة ما بين أغسطس إلى أكتوبر 2010 قام فيس بوك بعمل دراسة لاستكشاف كيف تنتشر الأخبار عليه. هذه الدراسة قام بها على 253 مليون مستخدم وهو رقم ضخم ومرعب خاصة أن عدد مستخدمي فيسبوك وقتها كان تقريباً 550 مليون. وهناك تجربة أخرى في نفس العام أجريت على 61 مليون شخص وفي 2012 أجروا تجربة على 151 مليون شخص.

ربما تتساءل كيف تجرى هذه التجارب وماذا يحدث فيها؟ التجارب باختصار أن فيسبوك يقوم بمراقبة سلوكك ثم إجراء تعديلات على صفحة الاخبار News Feed ويشاهد ماذا تغير في أسلوبك وتفاعلك. وبالفعل الموقع أعلن عن اكتشافه بأننا نتأثر بشد بهذه التجارب بل وقال إنه في 2010 تمكن من إقناع 340 ألف شخص بالذهاب للتصويت في الانتخابات الأمريكية باستخدام هذه التجارب.

وذكرت تقارير أن التجارب أظهرت بالفعل أننا نتأثر بالموقع وبالتالي تتشكل تصرفاتنا. فمثلاً إذا قام الفيسبوك بنشر أخبار إيجابية كثيرة في “النيوز فيد” وإخفاء الأخبار السلبية فتكون النتيجة أننا نبدأ نحن أيضاً في نشر أخبار إيجابية. والعكس كذلك. أي أنه يتحكم في المزاج والإحساس الخاص بنا (بنسبة معينة بالطبع). ودعنا نتخيل سوياً مثال مرعب آخر.

تخيل أن هناك انتخابات لاختيار رئيس في دولة ما فيقوم فيسبوك بشكل مباشر او عبر وسيط بدعم مرشح معين؛ وبناء على ذلك يقوم بالتحكم في الأخبار التي تظهر لك؛ فيظهر لك الأخبار الإيجابية التي تنشر عن المرشح الذي يؤيده ويخفي الأخبار السيئة عنه. فبالتالي تجد نفسك مع الوقت ترى أطنان من الأخبار السلبية عن مرشح معين فتكرهه وتجد إيجابي عن الآخر فتؤيده. ففي النهاية يربح في الانتخابات المرشح الذي وقف فيسبوك في صفه…

إذا كنت تشعر أن ما سبق مثال خيالي فالحقيقة أنه ليس مثال بل ما حدث في الانتخابات الأمريكية السابقة وفضيحة الفيس بوك والتحقيقات التي تمت لمعرفة هل الجهة التي تدخلت Cambridge Analytica كان الفيس بوك متعمداً ويعلم ما تقوم به أم لا. لكن الخلاصة أنه حدث ويمكن أن يتكرر (فيس بوك رسمياً لديه قسم لمساعدة الحملات الانتخابية في عشرات الدول في الطريقة الأفضل لاستخدامه لدعم مرشحهم ونكرر هذا ما يتم “رسمياً”)


هل iOS أكثر حماية للخصوصية من الأندرويد؟

الإجابة السهلة لهذا السؤال هي “نعم” والإجابة الفعلية هي “ربما أو لا”. نظام الأندرويد نفسه ليس نظام ضعيف بل ربما في بعض الأحيان يكون أكثر حماية من iOS. لكن هناك عوامل تجعل الآي فون أكثر حماية للخصوصية بسبب عدة عوامل نذكر منها مثلاً التحديثات؛ فعند اكتشاف ثغرة ما تقوم كل من أبل وجوجل بإغلاقها لكن الذي يحدث أن أجهزة iOS لـ 5 سنوات سابقة يصلها التحديث بينما الأندرويد فغالباً أكثر من 90% من أجهزته لا يصلها هذا التحديث. أي أننا هنا أمام واقع يقول إن كل من أبل وجوجل كلاهما أغلق الثغرة أي يفترض أن مستخدم النظامين في أمان؛ لكن فعلياً لا يصل التحديث للقطاع الأكبر من مستخدمي الأندرويد وبناء على ذلك يبقون في خطر… النقطة الثانية التي تجعل أبل أكثر حماية للخصوصية هي تعقيدات النظام؛ أبل تفضل أن تكون أكثر عنفاً في مراقبة وصرامة التطبيقات ووضع قيود لها وبناء على ذلك يصعب جمع البيانات من iOS عكس الأندرويد.

إذا لماذا ذكرنا أن الإجابة الفعلية “ربما أو لا”.. لأنه ببساطة الذي يتحكم هو المستخدم. فقد تستخدم iOS لكنك تحمل تطبيقات مجهولة المصدر أو بالجيلبريك أو بإعطاء صلاحيات لأي تطبيق بالوصول لأي بيانات فتجعل نفسك في خطر؛ وربما تستخدم أندرويد لكن تراقب ما تحمله وتقوم بتحميل تطبيقات أمنية وتدقق بشدة في طلبات صلاحية الوصول للبيانات التي ترسلها التطبيقات وبهذا يصبح هاتفك أكثر أماناً من الشخص الأول. في النهاية أسلوب الاستخدام يكون هو صاحب القرار الأول في الأمان والخصوصية ثم يأتي بعده نظام التشغيل. أما إذا قارنا نفس الشخص بنفس الاستخدام في النظامين فمن وجهة نظرنا أن iOS سيكون أكثر حماية لخصوصيته.


كلمة أخيرة

حماية خصوصيتك أمر يعود لك أنت ومثال فيسبوك هو مثال صارخ وقوي عن قدرة الشركات الكبرى بالتحكم فينا. تخيل ماذا يمكن أن تفعل جوجل وهي تعلم أين تذهب ولديها كل صورك وجهات الاتصال لديك. تخيل ماذا يمكن أن تفعل مايكروسوفت وأنت تستخدم نظامها وكذلك أبل. ربما أبل ومايكروسوفت يعتبران الأقل خطورة لسبب رئيسي وهما أن البيانات ليست مصدر دخل لهم عكس فيسبوك وجوجل وتوتير مثلاً الذين يمكنهم جعلك تحب وتكرهه وتذهب إلى مكان ومطعم معين وتشكل تفكيرك عبر المعلومات التي تظهر وتلك التي يخفونها. لا تتساهل في نقطة الخصوصية وتظن أنك أقوى من تأثيرهم؛ فهم يؤثرون حتى بدون أن تعلم.

هل تهتم بالخصوصية والأمان وتفكر فيها قبل تحميل أي تطبيق أو إعطاء الصلاحيات؟ وهل ترى أن iOS أكثر حماية لخصوصيتك من الأندرويد؟ شاركنا رأيك في التعليقات

مقالات ذات صلة