قد يكون سوق الهواتف الذكية على وشك الإنهيار مرة أخرى ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه من جديد ولا يتعلم أحد من أخطاء الماضي وتحديدا قبل 12 عاما من الآن عندما كانت شركات مثل نوكيا وبلاك بيري هي المسيطرة على سوق الهواتف المحمولة، غير أن الاختلاف بين الحالتين هو أن الشركات المصنعة للهواتف الذكية في وضع أفضل عما سبق، إذ يتوافر لديهم من الزخم ما يمكّنهم من تعزيز مركزهم السوقي، هذا الفارق الزمني شهد تغيراً في عوامل المنافسة عما كان عليه الأمر من قبل.

الهواتف الذكية

إذا عدنا بالزمن للوراء، وتحديداً عام 2007، قامت شركة أبل بتعطيل عدداً من الشركات المنافسة في ذلك الوقت مثل نوكيا وبلاك بيري، وعدداً من شبكات المحمول على مستوى العالم، والتي كان لها ما يشبه القفل الافتراضي للنظام الإيكولوجي الذي يتداخل بشكل مباشر في عمليتي التوزيع والتسعير لأجهزة الهاتف المحمول، الأمر الذي جعل أجهزة المحمول متاحة فقط لدى طبقة الأثرياء في المجتمع كما تم قتل أي فرصة للابتكار والتطور واطمأنت تلك الشركات أنها تُسيطر على سوق الهواتف.

ولكن سرعان ما قامت أبل بكسر هذا الجمود حيث اعتمدت على ما يريده المستخدمين ومنحتهم الاختيار والتحكم في تجاربهم على الأجهزة المحمولة وبعد فترة فتحت شركة الآي-فون منصتها للمطورين وكانت أبل بمثابة حارس البوابة لنظامها الإيكولوجي وهكذا استطاعت القضاء على إمبراطورية نوكيا وبلاك بيري والتخلص من شركات المحمول الأخرى على مستوى العالم. لم تتخلف جوجل كثيراً عن تبني تلك الفكرة، حيث قامت جوجل (ونظام تشغيلها أندرويد)، بخلق نموذج جديد لفكرة أبل، ينطوي هذا النموذج على منح المستخدمين خيار التحكم في خبراتهم وتجاربهم على الأجهزة المحمولة وهذه المرة بدون حارس.

الهواتف الذكية

وعلى مدار الـ 12 عامًا الماضية، اختار المستهلكون هواتف ذكية استنادًا إلى السعر والحجم ودقة الشاشة وجودة الكاميرا والتخزين والإلمام بالواجهة. بخلاف الكاميرا، لا تختلف معايير الاختيار اختلافًا كبيرًا عن معايير اختيار الكمبيوتر.

ولكن عوامل التنافس قد تغيرت على مر الزمن، فالهواتف الذكية أصبحت أكثر تكلفة، واقتربت من هامش أسعار الحواسب المحمولة، والأهم من كل ذلك أن الفروقات التي تُميز كل هاتف عن الآخر أصبحت باهتة جداً وغير واضحة بشكل كبير لجموع المستهلكين، حتى أصبحت فكرة إقناع المستهلك بترقية هاتفه الذكي من أكبر التحديات وأكثرها تعقيداً، وفوق كل ذلك، فإن مصنعي الهواتف الذكية أصبحوا يعملون في بيئة تنافسية شديدة، لا يستطيعون السيطرة على مدى تفوقهم إلا بمقدار ضئيل.


عوامل نجاح شركات الهواتف الذكية في السوق

الهواتف الذكية

بناءاً على ما سبق، فإن نجاح شركات تصنيع الهواتف المحمولة مستقبلاً وقدرتهم على المنافسة يتوقف على عدة عوامل، من أبرزها:

● اختراق عادات المستخدمين، وذلك من خلال تقديم خدمات تتخطى أجهزة الشركة المصنعة، والعمل على الأجهزة التي بين يدي المستهلك، مثل الميديا (فيديو وموسيقى)، كذلك فيما يتعلق بالمدفوعات النقدية للمستهلكين حين يقومون بشراء منتجات أو طلب وجبات الطعام من الإنترنت، والتي يجب أن تتم من خلال الهواتف الذكية.

● تقديم مجموعة متآلفة من الأجهزة وليس فقط هواتف ذكية، وإقناع المستهلكين بشرائها، فالهاتف الذكي يعد الأساس الذي تدور حوله الأجهزة الأخرى مثل الأجهزة اللوحية والساعات الذكية ومكبرات الصوت الناطقة، والتي جميعها ترتبط بالهاتف الذكي. إن امتلاك منتجات متعددة من داخل عائلة منتج واحد لا يؤدي فقط إلى زيادة تكاليف التحويل للمستهلكين ولكنه يخدم أيضًا كإيراد صافي جديد.

● التعرف على تفضيلات المستخدمين، فهو معيار شديد الأهمية لنجاح شركة تصنيع الهواتف الذكية، فللمستهلكين احتياجاتهم وتطلعاتهم التي يرغبون من شركات التصنيع تحقيقها، بل أن طموحاتهم تكاد تتعدى ما يقدمه المصنعون، لذا فإن نجاح الشركة المصنعة في تلبية رغبات المستهلكين بشكل استباقي ينطوي على الحصول على معلومات وبيانات تخص تفضيلات هؤلاء المستهلكين.

● استخدام الذكاء الاصطناعي في الهواتف المحمولة، ودمجه مع خبرات المستهلكين، إن تقنية الذكاء الاصطناعي موجودة بالفعل في الأجهزة المحمولة، مثل وظائف التصوير والتدقيق الإملائي وفرز الصور، وهو آخذ في التحسن يوما بعد يوم، غير أن المستهلكين لا يدركون أو يلاحظون قفزات التطور الصغيرة، لذا تظل مسألة إقناع المستهلكين بترقية هواتفهم المحمولة مسألة صعبة.

● يجب على شركات تصنيع أجهزة الهواتف المحمولة مثل سامسونج وأبل وجوجل محاولة تعظيم إيراداتها من خلال الوسائط والألعاب والتطبيقات وغيرها من الخدمات. فعلى سبيل المثال، تقدم أبل خدمات التخزين السحابي iCloud والموسيقى Apple Music والبث التلفزيوني Apple TV+، هذا بخلاف منتجات Apple Care الأخرى، فمثل هذه الإيرادات تمثل تدفقات مالية أكثر ثباتاً من أي مصادر أخرى، فقد بلغت إيرادات الخدمات في السنة المالية الكاملة المنتهية في 29 سبتمبر 2019 حوالي 46.3 مليار دولار – بزيادة أكثر من 6.6 مليار دولار عن العام السابق، وكان لذلك تأثير إيجابي على شركة أبل، إذ تدهورت إيرادات بيع أجهزة آيفون التي بلغت 22 مليار دولار لهذا العام. بطبيعة الحال فإن توقعات ومطالب واحتياجات المستهلكين لن تظل على حالها، وكذا الحال بالنسبة لأجهزة الهواتف المحمولة، فهي أيضاً ستتطور من كونها مجرد أجهزة شبيهة بأجهزة الكمبيوتر ومليئة بالتطبيقات، إلى ما يشبه قائد الأوركسترا لرغبات المستهلكين وخبراتهم، بشكل أكثر اندماجاً وتغلغلاً في نظامهم البيئي، وبصورة أكثر استباقية.

هل ترى أن سوق الهواتف الذكية في طريقه للإنهيار؟ وهل ستظل أبل كما هي أم سوف تسقط كما سقط غيرها؟ شاركنا برأيك في التعليقات.

المصدر:

forrester

مقالات ذات صلة