مما لا شك فيه أن أبل أحدثت تغير جذري في تعاملنا مع الكتب وذلك عن طريق الآي باد والذي أصبح أشهر جهاز لوحي في العالم ويستحوذ على أكثر من ثلثي السوق العالمي، ومن أشهر استخدامات الآي باد هو قراءة الكتب الإلكترونية وقد أفردت أبل مؤتمر خاص بالتعليم في يناير الماضي لإظهار مفهوم جديد للكتب الإلكترونية وهي ” الكتب التفاعلية ” ثم جاء الآي باد الثالث يدعم شاشات أفضل مما مكن المستخدم من قراءة أكثر جودة وسهولة، وبالفعل زادت نسبة أبل في السوق وأصبح جهازها أحد ركائز التعليم في العالم المتقدم وهذا دفع عدد من المدارس إلى استخدام الآي باد الذي يحسن من أداء الطلاب وهذا مكن أبل من سحب أكثر من 30% من سوق الكتب من اللاعب الأصلي ” أمازون ” ومؤخراً شنت الأخيرة حرب قضائية ضد أبل واتهمتها بالاحتكار والسعي للربح دون الاهتمام بالمستخدمين وخسرت أبل هذه القضايا واحدة تلو الأخرى. فما سر هذه القضايا؟ وكيف كان متجر كتب أبل iBooks Store ضد مصلحة المستخدم؟
نعود إلى عام 2009 عندما كانت أبل تحضر لسوق الكتب والآي باد، في هذا الوقت كانت أمازون تسيطر على أكثر من 90% من سوق الكتب الإلكترونية وبلا منافس لكن سياسة في إدارة هذا الاحتكار لم تكن سيئة فرغم انها المتحكم الأوحد للسوق لكنها لم تكن تهدف إلى رفع الاسعار وكانت تفضل خفض سعر الكتب لتبيع أكبر عدد ممكن منها وهو أمر جيد بالنسبة للمستخدم والقارئ لكنه أغضب دور النشر التي وجدت أرباح ضئيلة من وجهة نظرهم وهنا جاءت أبل واستغلت هذا الأمر وتفاوضت مع هذه الشركات وتمكنت من إقناع 5 من أكبر 6 دور نشر في الولايات المتحدة على نشر كتبهم في متجر أبل بسعر مرتفع وبالتالي رفع الأسعار بشكل عام حيث أصبح صاحب دور النشر يحصل على هامش ربح ضخم من أبل فلا تستطيع أمازون مواصلة خفض السعر وتقديم عروض على الكتب المباعة في متجرها لأنها إن فعلت هذا فلن تستطيع أن توفر لدور النشر نفس هامش الربح الذي توفره لهم أبل، إذا فعليها رفع سعر الكتب واعطائهم نفس هامش الربح أو مواصلة البيع بسعر منخفض والمخاطرة بفقدان أرباحها أو خسارة دور النشر لقلة العائد المادي الذي يحصلون عليه. لكن أمازون سعت إلى التوازن بين الطريقتين لكن هذا الأمر أدى إلى إنخفاض نسبتها من السوق العالمي إلى 60% بدلاً من 90% وحصلت أبل على ال 30% الفارق، وهنا قررت أمازون أن تشن حرباً قضائية ضد أبل.
يمكننا القول أن عام 2012 كان حرباً ضد أبل في مجال الكتب حيث تحالفت أمازون بكيانها الضخم مع جمعيات حماية المستهلك الأمريكية مع هيئة مكافحة الاحتكار مع 29 ولاية أمريكية في دعاوى قضائية ضد أبل وتمكنوا من الحصول على حكم قضائي الشهر الماضي ليثبت أن أبل تمارس سياسات احتكارية تضر بالمستخدم وبالطبع لم تقبل أبل هذا الحكم وقامت باستئنافه في نيويورك الاسبوع الماضي لكن جاءت الصدمة حيث رفض القاضي الأمريكي قبول دعوى أبل … بالطبع لاتزال أبل قادرة على مواصلة القضايا ومحاربة هذا الحكم القضائي لكن فجأة تراجعت ثلاثة شركات من حلفاء أبل ال 5 الأساسين وهذه الشركات هى HarperCollins, Hachette, Simon & Schuster وقرروا الاعتراف بالحكم القضائي وإجراء مقابلات مع الجهات المختصة وجمعيات حماية المستهلك للتسوية واتفقوا على التوقف عن دعم شركة أبل وبدء سياسة جديدة لتسعير الكتب.
الاتفاق تم أن يكون السعر في متجر أبل يساوي أرخص سعر متوافر للبيع على شبكة الإنترنت سواء في متجر أمازون أو أي متجر كتب إليكتروني آخر، وأن يتم التحول التدريجي إلى الأسعار الجديدة في خلال عامين كحد أقصى وهذا الاتفاق يعتبر ضربة قوية لأبل فمن ناحية لم تعد تملك إجماع معظم الشركات الكبرى على بيع الكتب بأسعار مرتفعة ومن ناحية أخرى هذا القرار يضعف موقف أبل القضائي لأنه يعني اعتراف شركاء أبل بالخطأ وهذا يعني أن أبل مجبرة أن تعيد النظر في سياستها التسويقية لأنها لن تحارب الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وأمازون و29 ولاية وأيضاً بدون دعم من دور النشر الكبرى.
من ناحية أخرى دور النشر تشعر بالغضب من أمازون فهى تقوم بشراء الكتب منهم بكميات ضخمة وبأسعار متدنية ثم تقوم ببيع الكتاب الإلكتروني بسعر 10$ وفي نفس الوقت دار النشر تبيع النسخة المطبوعة في متاجرها بسعر 28$ وهذا الفارق الكبير في الأسعار يجعل المستخدم يقوم بشراء النسخة الإلكترونية لأن شراء 3 كتب إلكترونية = تكلفة شراء 1 كتاب ورقي تقريباً… كما أن أبل كانت تبيع الكتب بسعر أغلى مما يضمن استمرار مبيعات الكتب الورقية عكس سياسة أمازون.
نقطة إنصاف: يجب ألا نظلم أبل ونتهمها بالجشع لأنها تقف في صالح دور النشر لأن هذا الأمر ليس ضار تماماً فيجب العلم دور النشر تتعرض لخسائر كبيرة لأن مبيعات الكتب الورقية في تراجع مستمر أمام مبيعات الكتب الإلكترونية، وأمازون لا تعطيهم أرباح كافية من المبيعات الإلكترونية وهم في حاجة إلى الأرباح ليواصلوا العمل ودعم الكتاب ونشر كتبهم واستمرار الخسائر يعني إغلاق دار النشر وبدون دور النشر لا يوجد كتب أي أن أبل كانت تحقق ربح رائع بالنسبة لهم يضمن استمرار دور النشر.
لكن بعد هذه المعارك القضائية أصبحت أبل مجبرة أن تعيد النظر في سياستها التسعيرية في الكتب حتى لا تخسر حصتها في السوق العالمي وتعود تدريجياً إلى أمازون. فهل ستواصل أبل المعارك القضائية أم تستجيب وتخفض الأسعار وتضحي بالأرباح الكبيرة؟
المصدر | cnet