جميعنا يعلم أن جهاز الماك قد أتم ثلاثين عاماً شهر يناير الماضي، تحديداً في 24 يناير 2014، بعدما تغير من مجرد صندوق أصفر باهت يشبه بقية الأجهزة المنزلية في تلك الحقبة، إلى سلسلة من الأجهزة المكتبية والمحمولة يقترن اسمها بالقوة والجمال. ثلاثون عاماً هو رقم لا يستهان به لحجم التغيير الذي يمكن أن يحدث به، لذا هل لنا أن نتوقع النقلة الهائلة لمنتج آخر لم يكمل العاشرة من عمره بعد؟! أجل إنه آيفون، طفل أبل المدلل!


ما يدفعنا للتفكير في هذه النقطة هو حقيقة لطالما أثبتت أبل أنها تتمسك بها: أنها لن تنتج إلا ما سيدوم طويلاً، وطويلاً جداً! وهذا هو ما يمثل “الأفضلية التنافسية” لمنتجات أبل على غيرها من المنتجات الشبيهة -تسعى أبل لذلك لكنها أحياناً لا تنجح فسبق واستعرضنا منتجات لم يكتب لها النجاح، راجع هذا الرابط للمزيد-.

لم تكن أبل هي أول من قدمت الحاسب الشخصي بشكل تجاري، فقد سبقها في هذا جهاز Altair 8800، لكن أجهزة الحاسب الشخصية المقدمة من أبل (بداية بجهاز أبل I وجهاز أبل II وغيرها من الأجهزة اللاحقة) هي ما غيرت نظرة العالم للحاسب الشخصي من جهاز غامض لا يعمل عليه إلا المهندسين والعلماء، إلى جهاز مألوف الشكل يمكن اقتنائه كغيره من الأجهزة المنزلية الأخرى.

وكما نعلم، آيفون لم يكن أول هاتف محمول في العالم بتقنية اللمس، لكنه بدا كذلك عندما أعلن عنه ستيف جوبز في عام 2007 ليحبس العالم أنفاسه مبهوراً بينما يتابعه! يرجع هذا لأسباب كثيرة، لكن السبب الرئيسي هو النظام المتفوق الذي اعتمدت عليه أبل لجعل هاتفها “ذكياً”، وهي النقطة نفسها التي ميزت جهاز الماك. فمع إطلاق نظام ماكينتوش OS في عام 1984، تغيرت الطريقة التي يتعامل بها العالم مع الآلة عامة، وجهاز الحاسب خاصة.

قبل نظام ماكنتوش المحمّل على جهاز أبل الثوري وقتها، كانت لغة DOS هي الطريقة الوحيدة للتحدث إلى الآلة من خلال واجهة مستخدم سوداء يومض المؤشر فيها بلا توقف منتظراً الأوامر. ولأن الأجهزة حينها لم تكن ذكية بما يكفي، فقد كانت عملية التفاهم مع الأجهزة السابقة لجهاز أبل عملية صعبة ومملة إلى أقصى حد؛ إلى أن جاءت أبل بأول واجهة تعامل قائمة على الرسوميات (جرافيك) وباستخدام اختراع جديد يقدم لأول مرة إلى جانب لوحة المفاتيح: الفأرة “Mouse”! الآن صار كل شيء مجسم أمام عينيك! لم تعد الملفات عبارة عن سطور مجردة بل صارت مجلدات حقيقية يمكنك الضغط عليها وفتحها والتعامل معها بكل سهولة! كم كان هذا مثيراً بالفعل!

الأمر نفسه تكرر مع نظام تشغيل آيفون والذي كان يسمى في البداية آيفون أو إس iPhone OS ثم أصبح iOS، والذي أعاد تعريف واجهة تعامل المستخدم مع أي شاشة لمس! بل وللمصادفة يعيد التاريخ تكرار نفسه عندما تكررت واقعة مايكروسوفت مع أبل والتي قامت فيها الأولى بطرح نظام ويندوز مباشرة بعد عام واحد تقريباً من إعلان أول جهاز شخصي من أبل يعمل بنظام ماكنتوش أي ولد منافس الماك بعد عام من صدوره، وها هى نفس الواقعة بشكل مذهل تتكرر مع نظام iOS حيث تم طرح نظام الأندرويد بعده أيضاً بعام واحد تقريباً! التشابه بين الواقعتين يستمر عندما نلاحظ أن نظام ماك ظل مغلقاً طيلة ثلاثين عاماً على أجهزة أبل للحاسب الشخصي بينما توزع نظام ويندوز على الكثير من الأجهزة من مختلف العلامات التجارية (إتش بي، سوني، إل جي، أسوس، سامسونج، إلخ)، وحدث الأمر نفسه مع نظام iOS الذي لم يعمل إلا على أجهزة أبل المحمولة بينما توزع نظام أندرويد على مختلف الأجهزة المحمولة المقدمة من الشركات الأخرى (سامسونج، جوجل، مايكروسوفت، إل جي، إتش تي سي، إلخ). أليس التشابه مذهلاً بالفعل؟!


سحر التغيير بدون تغيير

الساحر في الأمر هو أنك إذا أتيت بمستخدم من عام 1984 وأجلسته أمام جهاز حديث كـ “iMac” مثلاً، فسيقول لك أن هذا هو أحد أجهزة أبل على الرغم من الطفرة الهائلة التي طرأت على شكله بالمقارنة مع أول جهاز! يرجع هذا لسبب هام وهو أن هناك بعض الأشياء التي لم تتغير منذ أن تم تقديمها لأول مرة منذ 30 عاماً! أشياء مثل المستكشف Finder وقوائم ملف File، تحرير Edit وغيرها ظلت كما هي منذ أول إصدار لنظام ماك.

الأمر نفسه بالطبع سيحدث لمستخدم من 2007 لو عرضت عليه نظام iOS 7، حيث سيتعرف عليه على الفور على الرغم من الاختلاف الكبير الذي طرأ على النظام، بل سيستطيع هذا المستخدم نفسه العمل عليه بكفاءة لن تقل عن 90% وذلك لأن النظام لا يزال يحتفظ بنفس الخطوط والرؤية في التصميم والتي تجعل العمل عليه أمراً سلساً لأقصى حد. لسبب لهذا لم تجد ابنتي الصغيرة، عامان فقط، أي صعوبة في العمل على آيفون لتتصفح الصور أو تغلقها أو حتى تفتح تطبيقها المفضل وتتفاعل معه!

الخلاصة هى أن أبل تتطور بدون أن تتطور، يمر 30 عاماً ويضاف آلاف المزايا لنظام Mac OS لكن يظل يحتفظ بنفس الجوهر، والأمر نفسه مع iOS… الآن لدينا جهازان كلاهما كان ثورياً عند تقديمه لأول مرة؛ أحدهما يبلغ من العمر ثلاثين عاماً وقد صار شرساً وجميلاً بشكل لم يحلم به أحد وقتها، فهل لنا أن نتخيل الجهاز الآخر، آيفون، على نفس الدرجة من التغيير والتطور بعد مرور نيف وعشرين عاماً من الآن! أعتقد أن آيفون قد حقق الطفرة ذاتها لكن خلال أقل من عشر سنوات، فما بالنا بعشرين عاماً أخرى؟!

هل تتخيل شكل الآي فون عام 2037 وكيف سيكون شكله ومزاياه؟ وهل سيواصل التاريخ تكرار نفسه؟ شاركونا أحلامكم!

كاتب المقال : محمد فكري

مقالات ذات صلة