قد لا يجد الجمهور شيئاً من الجاذبية في متابعة جدول المقابلات للرئيس التنفيذي لأبل تيم كوك، بقدر شغفهم بمتابعة منتجات الشركة، غير أن ما يطفو على السطح من أنباء تفرض نفسها على القارئ وتثير العديد من التساؤلات.
حيث ذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتفقد مصنع أبل في أوستن، بولاية تكساس، حيث يتم تجميع جهاز ماك برو، وقد قام ترامب مسبقاً بزيارات شبيهة إلى ورشة لويس فويتون بالقرب من دالاس، وطاحونة الورق في جنوب توليدو بولاية أوهايو. وتأتي تلك الزيارات في إطار تدعيم وتنشيط مجال التصنيع في الولايات المتحدة، وهو بدون شك خطوة لا بد منها في ظل المخاوف المتزايدة من حالة الركود الاقتصادي الذي يواجهه الاقتصاد الأمريكي في الآونة الأخيرة، لاسيما مع توتر العلاقات التجارية فيما بين الولايات المتحدة والصين.
الفتى المدلل لترامب
غير أن نبأ زيارة ترمب لمصانع أبل في تكساس لا يمكن بحال قراءته بحيادية مثل باقي زيارات ترامب للمصانع الأمريكية الأخرى، فأي شخص مُتابع لخطابات ترامب وأحاديثه في المناسبات المختلفة، يلحظ تقارباً بين ترامب والرئيس التنفيذي لشركة أبل، تيم كوك. فقد دأب ترامب على الثناء على كوك بأنه رئيس تنفيذي كبير وناجح لأنه يتصل به، في حين أن بعض الرؤساء التنفيذيين لا يقومون بذلك، في إشارة إلى أن هناك اتصالات منتظمة بين كوك وترامب. كما أن ترامب استغل الخبر الذي صرح به تيم كوك سابقاً من أن أبل سوف تدعم الاقتصاد الأمريكي بمبلغ 350 مليار دولار بداية من عام 2018 وحتى عام 2023، كدليل على نجاح سياسته التي بدأها عام 2017 حينما قام بتخفيض الضرائب على الشركات بقيمة تريليون دولار. لقد أصبحت خطب ترامب الحاشدة تدور بشكل رئيسي حول الاستثمار، ونموذج أبل متضمناً مبلغ 350 مليار دولار هو القاسم المشترك الأوحد بينها.
شركة أبل تعتمد بقدر كبير على المصانع الصينية، أكثر من غيرها من الشركات الأمريكية الأخرى، وكان من المتوقع أن تتضرر أعمال شركة أبل بشكل أو بآخر بسبب الخلافات التجارية والحرب الإقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، غير أن ذلك بشكل ما لم يحدث، فهل يعتبر ذلك أحد ثمار التقارب والصداقة الوطيدة بين دونالد ترامب وتيم كوك، حيث بقيت أبل بعيداً عن الأزمات السياسية المعاصرة.
ففي حين أن هناك خلاف بين جيف بيزوس الرئيس التنفيذي لأمازون وبين ترامب، وفي حين تحتفظ الإدارة في فيسبوك بتواصل دون مستوى القيادات التنفيذية مع حكومة ترامب، وهو بطبيعة الحال يسبب أضراراً لكلتا الشركتين، لا يجد كوك أي تحفظ حول الإعلان عن مدى العلاقة الوطيدة مع الرئيس الأمريكي، بل وتفاخره بذلك علناً، حيث كان آخر المواقف تناول العشاء معه في أغسطس الماضي.
إن هذا النهج الحيادي الذي يتبعه تيم كوك، يحقق تماماً ما تصبو إليه شركة أبل، سواء اتفقنا أم اختلفنا معه.
سر الصداقة بين ترامب وكوك
إن مزاعم ترامب المتتالية بما تحققه شركة أبل من فوائد وعوائد للاقتصاد الأمريكي تقدر بـ 350 مليار دولار، يمكن الرد عليها بأن شركة أبل لا تقوم بتصنيع أجهزتها في مصانعها، بل تعتمد على المصانع الصينية بالدرجة الأولى، وتعاقدات مع شبكة من مقاولي الباطن منتشرون في أنحاء العالم، والمصنع الذي قام ترامب بزيارته مؤخراً كان مملوكاً لشركة فلكس، أي أن المصنع قديم بالفعل، ثم إن المصنع ذاته كان يقوم بذات الوظيفة في تجميع جهاز ماك برو منذ عام 2013، وهو حاليا يعمل على تجميع الإصدار الجديد من نفس الجهاز، إذاً، فإن شركة أبل لم تقم بإنشاء أية مصانع جديدة في الولايات المتحدة، ولم تقم بتشغيل وتوظيف المزيد من الأيدي العاملة، وما تساهم به شركة أبل في الاقتصاد الأمريكي لم يزد عن تلك المساهمة التي تقدمها منذ أن كان الرئيس الأسبق باراك أوباما في الحكم.
من ناحية أخرى، فإن الأرباح التي تحققها شركة أبل، لا تعود إلى الاقتصاد الأمريكي، بل يتمتع بها حملة الأسهم من المساهمين في الشركة، وبالطبع قد حققوا أرباحاً جيدة بعد تخفيض الضرائب على الشركات.
في الوقت الذي يقوم فيه ترامب بالترويج والتدليل على نجاح قراره بخفض الضرائب على الشركات، فإن كوك قد استفاد بشكل مباشر من علاقته بالرئيس الأمريكي، فنظراً لاعتماد شركة أبل على المصانع الصينية، فإن قرار ترامب بفرض ضرائب على المكونات التقنية الصينية، قد يضر أبل بشكل جسيم ويضع أبل في موقف منافسة ضعيف أمام شركات أخرى مثل سامسونج، ويبدو عدم تطبيق هذا القرار حتى الآن يعود إلى الصداقة القوية بين ترامب وكوك.
وعلى الرغم من قيام كوك سابقاً بالتبرع لخصوم ترامب في الانتخابات الأمريكية ودعم للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون عام 2016، إلا أن كوك قد أذعن عن حقيقة فوائد التقرب مع ترامب، والتقارب منه علناً، وبصرف النظر عن اعتبارات كثيرة يجب حسابها، مثل كيان شركة مثل أبل، والتي تبلغ قيمتها ما يربو على المليار دولار، ويعمل بها أكثر من 100 ألف موظف، وحقيقة تخزين بيانات المستخدمين في أي كلاود على خوادم الصين الحكومية، فإن بعض الصور الملتقطة مع الرئيس الأمريكي، وما يستتبعه ذلك من صعوبات سياسية، بل وعار شخصي يلحق بسمعة كوك، بما يقوم به من نفاق سياسي سلطوي، إنما هو ثمن بخس لضمان استمرار نجاح شركة أبل، حتى يظن البعض أن استمرار نجاح أبل مرهون ببقاء كوك في منصبه كرئيس تنفيذي للشركة، وما يقدمه ذلك التقارب مع الرئيس الأمريكي من فوائد جمة، سواء تمثل ذلك في تأجيل تطبيق قرارات التعريفة الجمركية على الواردات الصينية، أو قرار تخفيض الضرائب على الشركات.
سواء كنت تتفق أو تختلف مع تيم كوك، هل تعتقد أن ما يفعله مفيد لشركة أبل، شاركنا برأيك في التعليقات.
المصدر: