في أوائل عام 2001 بينما كان يطور مشغل موسيقى خاص به، تم اختيار طوني فاضل كمستشار لشركة أبل والتي طلبت منه ابتكار نماذج أولية مختلفة لمشغل الموسيقى الرقمية الذي سيعمل مع برنامج آي-تيونز الذي أعلنت عنه الشركة في ذلك الوقت وحينه قال جوبز لفاضل “نحن نبني هذا الجهاز، وسوف تنضم إلينا الآن لبنائه”.
قاد فاضل الفريق الذي بنى أحد أهم المنتجات في تاريخ شركة أبل وهو منتج لا يزال متاحًا على موقع الشركة واستطاع جهاز الآي-بود تحويل أبل من شركة تكافح من أجل المبيعات وجزءًا صغيرًا من سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية إلى مركز قوة في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية.
كما أحدث ظهور الآي-بود، ثورة في مجال الموسيقى الرقمية حيث انتهى عصر الأقراص المضغوطة بشكل فعال وباتت مشغلات الموسيقى ذات اللون الأبيض (في إشارة لجهاز الآي-بود الشهير لأبل) وسماعاتها البيضاء في كل مكان.
الأهم من ذلك، أن الكثير من العمل المبكر على جهاز الآي-بود مهد الطريق للآي-فون، المنتج الرائد التالي لأبل، لقد غير جهاز الآي-فون كل شيء تقريبًا حول كيفية عيشنا وتفاعلنا مع أجهزتنا المحمولة وجعل شركة أبل التي تبلغ قيمتها الآن 2.42 تريليون دولار، الشركة الأكثر قيمة في العالم.
منصب استشاري
كان جون روبنشتاين، نائب رئيس شركة أبل للهندسة قد تم تكليفه بإنشاء مشغل موسيقى في أوائل عام 2001، وكان طوني فاضل حينها يعمل بالفعل على شركته الخاصة Fuse Systems، بهدف إنشاء مشغل موسيقى رائد. لقد كان سوقًا ناشئًا مع أكثر من عشرة لاعبين من شركات مختلفة بما في ذلك Creative Labs و RCA ولكن المشكلة وقتها كانت في مبيعات أجهزة تشغيل الموسيقى التي يبلغ تكلفتها بضع مئات من الدولارات للقطعة الواحدة إلا أن إجمالي المبيعات في السوق لم يتجاوز حاجز الـ 500 ألف وحدة فقط في عام 2000 وفقًا لجمعية الإلكترونيات الاستهلاكية واجهت شركة Fuse نفسها الكثير من الرفض. ومع ذلك، رأى فاضل من المنصب الاستشاري لشركة أبل فرصة لتمويل شركته وإبقائها على قيد الحياة وقال فاضل حينها “سوف أذهب لأعمل كاستشاري وأجني بعض المال وأواصل استمرار شركتي”.
وأمضى فاضل ما يقرب من سبعة أسابيع في البحث عن خيارات مختلفة لمشغل موسيقى رقمي واعتمد على الأبحاث من شركته الخاصة وفي النهاية، قام ببناء ثلاثة نماذج بالأحجام الطبيعية مصنوعة من الستايروفوم (الفلين أو الفوم) واستخدم أوزان صيد الأسماك الخاصة بجده لمنحهم القدر المناسب من الثقل.
في نهاية مارس 2001، عمل فاضل مع ستان نج (أصبح بعدها نائب الرئيس لتسويق المنتجات) لتجهيز الأوراق الخاص بالعرض التقديمي لكي يراها ستيف جوبز الذي كان معروف عنه أنه متقلب المزاج، أخذ جوبز كومة الأوراق على الفور، وانتقل بين الصفحات وألقى بها سريعًا جانبًا ثم قال “هذا ما أريد أن أفعله”
بعد ذلك، جاء وقت عرض النماذج الأولية وفعل فاضل ما درّبه عليه ستان حيث عرض أسوأ نموذج أولاً ثم الثاني وأخيراً المفضل لديه كملاذ أخير حينها قال جوبز “نحن نبني هذا وأنت الآن ستنضم إلينا لبنائه”.
شعر فاضل بالسعادة لكن جاء في مخيلته أفكار مثل أن دخول أبل إلى هذا السوق لم يكن رهانًا أكيدًا كما كانت مبيعات الشركة التي جاءت من أجهزة الماك في انخفاض وسجلت أبل خسارة قدرها 195 مليون دولار في الربع السابق.
لم يكن فاضل الذي أمضى العقد الماضي في العمل على الأجهزة بنجاح محدود، يستطيع تحميل خيبة أمل مرة أخرى من خلال بناء مشغل موسيقى لن يشتريه أحد.
هل سينجح الجهاز؟
بعد بضعة أسابيع من المفاوضات مع جوبز، انضم فاضل إلى شركة أبل في أبريل 2001 وشكل فريقًا مكونًا من موظفي فيوز وجنرال ماجيك لتجميع ما سيصبح جهاز الآي-بود. واجه المشروع على الفور تحديًا شاقًا. احتاج الفريق إلى العمل مع الكثير من المكونات الجديدة بما في ذلك محرك أقراص ثابت جديد تمامًا من توشيبا والذي حدده روبنشتاين الذي أشرف على المشروع بأكمله، بأنه المكون الرئيسي للآي-بود.
تضمنت الإنجازات الأخرى نظام تشغيل جديد من أجل واجهة المستخدم وبطارية جديدة من نوع أيونات الليثيوم والتي تتيح للجهاز العمل لمدة 10 ساعات دون توقف ولا يوجد جهاز آخر منافس في السوق يمكنه القيام بذلك.
أحد العقبات التي واجهت فاضل والفريق، معرفة كيفية وضع محرك أقراص توشيبا بالآي-بود وكان عبارة عن قرص دوار إذا تم التعامل معه بشكل خاطئ مثل عند سقوط الجهاز على الأرض أو إلقائه على الطاولة، سوف يتعرض القرص للتلف كما كان على الفريق عمل تكامل بين كابل أبل FireWire المستخدم لنقل ملفات والجهاز حتى يتمكن الأشخاص من نقل أغانيهم بسرعة.
كل تلك التحديات كان على فاضل والفريق إيجاد حلول لها وكان كل ما يعرفه فاضل هو تجهيز الآي-بود قبل عيد الميلاد عام 2001. بالطبع الأمر كان صعبا حيث يستغرق تطوير هاتف ذكي جديد اليوم حوالي عام ونصف تقريبا وبالنسبة إلى فاضل فقد بدأ في شهر مايو 2001 وأمامه خمسة أشهر فقط قبل موعد الإطلاق.
عمل فريق فاضل مع مجموعة التصميم بقيادة مصمم أبل الشهير جوني آيف من أجل وضع اللمسات الأخيرة على شكل الآي-بود ونظرًا لأن الجيل التالي من أجهزة الماك سيكون من البلاستيك الأبيض والشفاف، فقد اتخذت أبل نفس التصميم وطبقته على الآي-بود.
وأثناء عمله على الآي-بود، رأى فاضل مشروعين آخرين في الشركة تم إلغائهما، مما دفعه إلى التحرك بشكل أسرع وعندما كشف جوبز النقاب عن جهاز الآي-بود في 23 أكتوبر لعام 2011، خلال حدث أبل في مدرج تاون هول في كوبرتينو بكاليفورنيا، لم يتم تصنيع الجهاز تقنيًا وفقًا لفاضل ولم يتم الانتهاء من نظام التشغيل ولم توقع الشركة على خطة التصنيع. لكن جوبز كان لديه نماذج جاهزة قم بتوزيعها على الصحفيين بجانب 20 سي دي بها الموسيقى التي تم تحميلها مسبقًا على الجهاز (طُلب من الصحفيين الذين حصلوا على جهاز الآي-بود التجريبي إعادته بعد بضعة أسابيع عندما تم طرح الإصدار 1.0 في السوق).
بعد حدث الإطلاق، عاد فاضل وفريقه إلى العمل مباشرة ومع ذلك، نال الآي-بود إشادة كبيرة من النقاد لتصميمه الجديد وبكرة التنقل المبتكرة.
مراحل تطور الآي-بود
يقال إن أبل باعت 125 ألف وحدة من الآي-بود في فترة العطلة الأولية لكن هذه المبيعات لن تُحدث تغييرا جذريا للشركة. ولهذا كانت الرغبة في الاستمرار على تطوير هذا الجهاز جزءًا مهمًا من محادثة أجراها فاضل مع جوبز والتي أقنعته بالانضمام للعمل لدى أبل.
سأل فاضل مؤسس أبل عما إذا كان على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك مع الآي-بود وليس فقط الاستثمار في هذه الوحدة الأولى ولكن للالتزام بتشكيلة من المنتجات حيث كان فاضل على دراية بأن الشركة كانت توقف العمل على منتجات أخرى بعد اطلاق المنتج الأول لذا أراد فاضل التأكد من أن ذلك لن يحدث معه.
كما أخبر جوبز فاضل أنه سيضخ أموالاً تسويقية على الآي-بود وسحب الموارد من أعمال الماك الأساسية. وعلى الرغم من أن مبيعات جهاز الآي-بود لم تكن فوق التوقعات إلا أن جوبز كان يدعم فاضل وتطوير الآي-بود ومع اطلاق الجيل الثالث من الآي-بود في 2003، حيث تم إعادة تصميمه بشكل أنيق، بدأ في الانتشار على نطاق واسع. قال فاضل إنه وجوبز يدفعان بعضهما البعض باستمرار لأخذ كل إصدار إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أن شركة أبل أصبحت أكبر مستهلك لذواكر فلاش ناند NAND عندما ظهر آي-بود نانو.
حصل الآي-بود على دفعة أخرى في أبريل 2003، عندما أطلقت أبل متجر iTunes Music Store مما أتاح للناس طريقة لشراء الموسيقى من كتالوج يضم 200 ألف أغنية رقمية بدلاً من الاضطرار إلى نسخ الأقراص المضغوطة الخاصة بهم.
كانت هناك مشغلات موسيقى رقمية أخرى من قبل لكن جهاز الأى-بود غيّر كل شيء. فهو لم يُضفي الشرعية على تلك النوعية من الأجهزة فحسب بل سيطر عليها تمامًا بأكثر من 80٪ من حصة السوق كما أظهرت أبل براعتها التسويقية وأنشأت إعلانات مميزة، هل تتذكر إعلانات iPod silhouette حيث ظهرت صور ظليه لأشخاص يرقصون ويستمتعون بوقتهم من خلال الآي-بود كما استخدم جوبز فرقة الروك الشهيرة U2 في عام 2004 في إصدار خاص تضمن تصميم بلاستيكي أسود وبكرة نقر حمراء وفي الجزء الخلفي من الآي-بود كان هناك توقيع أعضاء الفرقة والتي كانت محفورة بالليزر.
بحلول عام 2007، بعد أكثر من خمس سنوات بقليل من الإطلاق الأصلي باعت أبل 100 مليون وحدة من الآي-بود. وبلغ النشاط التجاري ذروته في عام 2008 بمبيعات بلغت 54.8 مليون وحدة وشارك طوني فاضل في العديد من عمليات صنع وتطوير الآي-بود.
بحلول عام 2005، قال فاضل إن شركة أبل كانت تدرس بالفعل التهديد التنافسي للهواتف المحمولة والتي بدأت في توفير برامج لتشغيل الموسيقى وكاميرات ولهذا قام فريقه بعمل نماذج أولية تضمنت جهاز آي-بود بملء الشاشة مع بكرة نقر افتراضية والتي كانت مزيج بين جهاز الآي-بود الكلاسيك وهاتف محمول. بعد ذلك، قام فريق الماك ببناء شاشة لمس ضخمة بحجم طاولة بينج بونج وقال فاضل إن هذ المزيج بين النماذج الخاصة بفريقه إلى جانب النموذج الخاص بفريق الماك أدى في النهاية إلى مولد الآي-فون الذي تم تقديمه في عام 2007 وغيرت أبل عالم التكنولوجيا مرة أخرى.
أخيرا، أبل لا تزال تبيع جهاز الآي-بود تاتش بسعر 199 دولارًا ويشبه في تصميمه جهاز الآي-فون أكثر من مشغل الموسيقى الأصلي ولعل الفضل في وصول أبل لما هي عليه حاليا يرجع إلى طوني فاضل المهندس الأمريكي من أصل لبناني والذي عهد إليه هو وفريقه بناء منتج من أجل خدمة آي-تيونز لكن انتهى به الأمر لإحداث ثورة في السوق حيث ساهم في تقديم كلا من الآي-بود تاتش والأجيال الثلاثة الأولى من الآي-فون، وبعدها ترك شركة أبل في عام 2008 وفي عام 2010 بدأ شركته الخاصة Nest التي باعها بعد أربع سنوات لجوجل مقابل 3.2 مليار دولار واليوم يدير Future Shape وهي شركة استشارية واستثمارية تعمل مع مهندسين في جوانب مختلفة من التكنولوجيا.
المصدر: