شهدت صناعة التكنولوجيا تسريح أكثر من 200000 موظف منذ بداية عام 2022، على سبيل المثال، أعلنت مايكروسوفت عن تسريح حوالي 10000 موظف مما يقلل من قوتها العاملة بنسبة 5٪ وبدأت أمازون في تسريح 18000 شخص لديها أما جوجل فقد أعلنت عن تسريح 12000 من قوتها العاملة وحتى فيسبوك هو الآخر قرر خفض عدد موظفيه بنحو 13% (حوالي 11000 وظيفة) وغيرها من شركات التكنولوجيا، إلا صانع الآي-فون الذي كان بمنأى عن هذا الأمر ولكن لماذا لم تلحق آبل بموجة التسريح الكبير للموظفين كغيرها حتى الآن؟
شركات التكنولوجيا والركود الاقتصادي
في حين أن كل شركة مختلفة عن الأخرى، إلا أن معظم شركات التكنولوجيا التي أعلنت عن تسريح موظفيها، ألقت باللوم على أسباب متشابهة مثل ظروف الاقتصاد الكلي والتضخم وزيادة أسعار الصرف وإمكانية حدوث ركود قوي في المستقبل، كل هذا جعل الشركات تقلل من الإنفاق وأول ما فكرت فيه هو تسريح الموظفين، ولكن إذا كانت تلك الظروف الصعبة على الجميع، لماذا لم تعلن آبل حتى الآن عن أي عملية تسريح لموظفيها.
في البداية، يجب أن تكون على دراية بأن آخر جولة ضخمة من عمليات التسريح في آبل حدثت خلال عام 1997، عندما عاد المؤسس المشارك ستيف جوبز إلى الشركة وقرر حينها تخفيض التكاليف عبر تسريح 4100 موظف. ومنذ ذلك الحين لم نسمع عن اقتطاع آلاف الوظائف كما يحدث الآن مع شركات التكنولوجيا الأخرى.
حيث اتبعت آبل نهجاً مرن للتعامل مع الأزمة التي نعيشها حاليا، الأول أن الشركة لا تقدم وجبات غداء مجانية للموظفين (إزالة بعض الامتيازات) على عكس شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى مثل جوجل وميتا وقد تعتقد أن هذا الأمر ربما بسيط لكنه يُكلف الشركة بنهاية السنة ملايين الدولارات.
أما الثاني فهو الاعتماد على وتيرة توظيف بطيئة، ومنذ نهاية السنة المالية في سبتمبر 2019 وحتى سبتمبر 2022، نمت القوة العاملة في آبل بنحو 20٪ لتصل إلى ما يقرب من 164000 موظف بدوام كامل وخلال الفترة نفسها تقريبًا، تضاعف عدد الموظفين في أمازون وارتفعت القوة العاملة في مايكروسوفت بنسبة 53٪ بينما زادت في ألفابت الشركة الأم لجوجل بنسبة 57٪ حتى ميتا الشركة الأم لفيسبوك وصلت نسبة التوظيف لديها إلى 94٪.
مبيعات آبل
بعيدا عن تسريح الموظفين، نمت مبيعات آبل في ظل الانكماش الهائل الذي يعاني منه السوق، حيث عانى عمالقة التكنولوجيا الآخرين من تباطؤ في قطاع الإعلانات الرقمية والتجارة الإلكترونية وأجهزة الحاسوب، إلا أن آبل أعلنت عن ارتفاع في مبيعات الآي-فون بنسبة 9.7% (42.6 مليار دولار) خلال الربع الثالث من عام 2022 مقارنة بالعام السابق وهذه النسبة تجاوز تقديرات المحللين والخبراء.
بالطبع آبل ليست حصينة وقد تواجه نتائج سيئة في الربع الرابع المقرر الإعلان عنه بداية شهر فبراير 2023 نتيجة لوجود أسباب إضافية مثل العقبات التي تواجهها سلاسل التوريد الخاصة بها في الصين والإغلاقات الناجمة عن تفشي الفيروس التاجي هناك، كل هذا سيؤدي إلى ضعف الطلب على أجهزتها ولكن يتوقع أن يرتفع الطلب الفترة القادمة مع تحسن الأوضاع الاقتصادية وعودة موردها الرئيسي فوكسكون للعمل بكامل طاقته في الصين.
الإنفاق دون داعي
يمكن أن يكون الإنفاق المبالغ فيه أحد الأسباب الأخرى التي ساهمت في تخفيض القوة العاملة للشركات، حيث أنفقت بعض عمالقة التكنولوجيا الذين أعلنوا عن تسريح آلاف الموظفين، مليارات الدولارات على مشاريع فاشلة لم تجلب لهم أرباحاً قوية كما كانوا يتوقعون، مثل ميتا التي ركزت جهودها بشكل كامل على الميتافيرس باعتبار الواقع الافتراضي سيصبح منصة مهمة جدا، لكن للأسف لا يزال أمامنا الكثير قبل أن نرى هذا العالم الموازي، أيضا جوجل هي الأخرى استثمرت بقوة على أنظمة خاصة بالروبوتات الصناعية وعلوم الحياة وغيرها من المجالات التي لم تؤتي ثمارها، أيضا آبل تسير على نفس المنوال ولكن ببطء حيث تستثمر في رهانات مستقبلية محفوفة بالمخاطر مثل نظارة الواقع المعزز المقرر طرحها في وقت لاحق من هذا العام وسيارتها الذكية التي لا نعرف عنها أي شيء حتى الآن ومتى ستظهر للعلن.
أخيرا، حتى ديناميكية آبل ومرونتها وحسن تعاملها مع تلك الظروف الصعبة لا يعني أنها لن تقوم بتسريح عدد من موظفيها، سوف تفعل ولكن ليس بتلك الأعداد الكبيرة وليس بنفس الطريقة التي اتبعتها الشركات الأخرى، مثلا قد تقوم آبل بعدم استبدال الموظفين الذين أوشكت عقودهم على الانتهاء، كما يمكنها أن تخفض التكاليف دون تسريح ضخم عبر تقليل أو التعديل على بعض الامتيازات الشائعة التي توفرها الشركات للموظفين في وادي السيليكون مثل حوافز كثيرة للآباء والأمهات وخصومات كبيرة على الأجهزة وحفلات ورحلات ورعاية صحية عالية الجودة وغيرها.
المصدر: