لطالما وصمنا الكثير من الأمور بأنها عادية ولا تلفت النظر ولا تجذب الانتباه لاننا بحسب ماندعي، لم نلمح فيها شيئا مميزا عن غيرها، والحقيقة ليست كذلك، فعدم تفكيرنا "خارج الصندوق" وعدم تأملنا كفاية، والكسل الفكري الذي نعاني منه في النظر الى الاشياء، هو الذي فرض علينا هذا النمط الجامد من التفكير، ولو كان احدنا مكان نيوتين لربما كانت البشرية لم تكتشف قوانين الجاذبية بعد، اذ ان العثور على تفاحة مصادفة ليست فرصة لاكلها وتذوقها، بل لتغيير العالم اجمع!.
لعل جميعكم او اغلبكم يعرف اللعبة الشهيرة على الآي فون والآي باد (ومؤخرا على الاندرويد ايضا) لعبة "الطيور الغاضبة" او Angry Birds والتي نالت شهرة ومبيعات عالية جدا طوال الاشهر الماضية منذ تاريخ صدروها ولا تزال حتى الآن تتربع على عرش الالعاب في الآي فون والآي باد اذ وبحسب مركز الالعاب واحصائيته فان هذه اللعبة تم تحميلها اكثر من ستة ملايين ونصف المليون مرة ويشارك في لعبها الان عبر المركز اكثر من مليون ونصف شخص عبر هذا المركز الاجتماعي، كما انها حققت مليون تحميل في اليوم الاول من طرحها على اجهزة الاندرويد.
هذه اللعبة الشيقة والشهيرة نالت اهتمام برفيسور وباحث في مجال الفيزياء واستاذ في جامعة نورث كارولاينا ولويزيانا الامريكيتان وهو الدكتور Rhett Allain والذي يكتب ايضا بمجلة Wired الشهيرة (نعم استاذ جامعي تلفت نظره لعبة) حيث طرح مقالتين علميتين مطولتين حول هذه اللعبة، لن تهمنا الكثير من التفاصيل العلمية لكننا سنضيء جوانب الابداع والاكتشاف المبتكر فيها علنا نحاكي القوم وتفجر طاقات الابداع الكامنة لدينا!
الدكتور "ريت الين" ابدع في تأمل ابداع هذه اللعبة، حيث يقول عن نفسه بعد ان لعب بهذه "الطيور الغاضبة" انه لم يكتف باختتام المراحل ومن ثم تركها والبحث عن اخرى او اعادة اللعب فيها، بل انه سعى لتأمل الجانب الفيزيائي (حيث تخصصه) في هذه اللعبة وكيفية عملها، كيف تطير هذه الطيور الغاضبة لتنقض على الخنازير التي سرقت بيضها؟ مامدى سرعتها الافقية وتسارعها الرأسي؟ وكيف تتأثر هذه السرعة بعوامل مثل الهواء والارتطام والاحتكاك، وغيرها من العوامل الفيزيائية؟
لم يكتف الدكتور "ريت" بالتنظير والتساؤل بل انتقل فورا للعمل والبحث، حيث بدء باستخدام الاداة العلمية الاساسية والاهم في البحوث وهي التحليل، حيث استخدم احد الفيديوهات التي تصور مراحل واحداث من اللعبة كما في التالي:
ثم قام بعد ذلك باستجلاب البيانات اللازمة من هذا الفيديو وذلك من خلال أداة رائعة لتحليل وتعقب التحركات والتنقلات في الفيديوهات المرئية وهذه الاداة تدعى Tracker وهي مجانية وتعمل على الويندوز والماك واللينكس (يتوفر دليل تعليمي لهذه الداة من هنا).
الفكرة عند الدكتور "ريت" هي في التأشير على ميزتين في هذه اللعبة او كائنين ومن ثم تتبع حركاتهم في كل اطار او فريم Frame في هذا الفيديو (الفريم وحدة تقاس بها جودة الفيديو وبعض الفيديوهات يصل بها عدد الاطارات الى ثلاثمائة اطار في الثانية) ويمكن من خلال ذلك التكبير او التقريب او التدوير للبيانات المحصلة من الكائنات بحسب الحاجة، وكما نرى في الصورة التالية كيف تم الحصول على بعض البيانات اللازمة للتحليل:
تلك البيانات تم تمثيلها برسوم ومحاور بيانية على اكس وواي لتمثيل سرعة الطائر بواسطة نفس البرنامج:
وعلى هذا المنوال سار الدكتور "ريت" في استنتاج المعادلات الفيزيائية والرسوم البيانية مما قد لا تهمنا كثيرا وليست في مجال تخصصنا لكننا نستطيع ان نلخص ماتوصل له بالآتي على افتراض ان الفيديو السابق في الوقت الحقيقي وان هذه اللعبة تمثل حالة حياتية حقيقية:
- الطائر الغاضب ينتقل بسرعة ثابتة على المحور اكس (اي رأسيا).
- لا توجد قوة افقية او مقاومة هواء يتعرض لها الطائر اثناء انطلاقه
- هنالك تسارع ثابت للطائر عند انطلاقع راسيا.
- باستخدام البيانات من البنود الثلاثة السابقة ومن استخدام بعض المعادلات لاستنتاج حجم هذا الطائر فيما اذا كان حقيقيا فوجد مفاجأة انه سيكون طائر غاضب عملاق بحجم اطول من 70 سم!!
نعم انها نظرة العالم الفيزيائي المختلفة الذي فكر خارج الصندوق وابدع في تأمله هذا، ولم يكتف بمجرد اللعب بها، واجزم انه الآن قد استعاد الدولار الذي دفعه فيها وزيادة :)
ما فائدة كل هذا قد يقول قائل؟ مجرد تحريك العقل والتامل والتفكير بهذه الطريقة ونشر بحث قيم كهذا هو فائدة كبرى بل ان الشركة المنتجة لهذه اللعبة قد تستفيد مما فعله الدكتور ريت في منتجاتها القادمة.
المميز والغريب ان الدكتور "ريت" لم يكتف بذلك، بل اعتبر كل ماقام به في هذه المقالة هو لا شيء لانه اعتمد على فيديو جاهز من الشركة المنتجة.! ولم يدرس بقية التفاصيل الاخرى ، حيث قام بكتابة مقالة اطول فيها الكثير من التحليل والدراسة الفيزيائية ودرس فيها حركات الطائر الأزرق هذه المرة في اللعبة ليستنتج استنتاجات مهمة حول اسلوب اللعب فيه وتاثيره على مجريات اللعبة، ليخلص ان هذه الدراسة الفيزيائية اعطته ما يسمى: "باستراتيجية الطيور الغاضبة"
الآن هل نظرت في جهاز الآي فون بطريقة مختلفة عن المألوف وخرجت بأفكار شبيهة؟ لا ليست شبيهة بل فريدة ولم يسبق اليها احد ومن عمق تخصصك وعلمك؟ هل فعلت الشيء ذاته مع التطبيقات خصوصا الناجح منها؟ بل هل تأملت في تفاحة آبل لعلك تخرج بشيء يغير العالم كما غيرت تفاحة نيوتين من قبل؟
شاركنا تأملاتك وأفكارك؟
[المصدر بتصرف عن : Wired ]