تُظهر الإحصائيات الحديثة أن التطبيقات المجانية تستحوذ على أكثر من 89% من عدد التحميلات، وبدأ يلاحظ مؤخراً توجه كبير لتصميم تطبيقات مجانية في المتجر. فلماذا تنتشر التطبيقات المجانية رغم التكلفة المرتفعة في التصميم والتنفيذ؟ وهل هذه التطبيقات المجانية هى فعلاً مجانية أم أن أصحابها يحصلون على عائد من ورائها؟
الشكل الأشهر للربح من التطبيقات المجانية هو “الشراء من داخل التطبيق”؛ حيث كشفت دراسة في مارس الماضي أن 76% من عائدات التطبيقات في متجر البرامج تأتي من الشراء من داخل التطبيقات، وهو الأمر الذي دفع أبل إلى تخصيص قسم “Top Grossing” والذي يضم أعلى التطبيقات من حيث العائد كما أوضحنا في مقال سابق. لكن يلاحظ البعض أن هناك تطبيقات ذات مستوى مرتفع وأيضاً مجانية ولا يوجد بها إعلانات أو شراء من داخل التطبيق، فكيف تحيا هذه التطبيقات؟
التمويل المباشر
هل سبق وفكرت كيف يمول تطبيق “فاير فوكس” في الأجهزة المختلفة؟ أو دولفين وأوبرا وغيرها من المتصفحات التي تأتي مجانية ورغم ذلك شركاتها تسعى إلى تطويرها بشكل دائم وجعلها أفضل وأسرع؟
السر هو أنها تحصل على تمويل من الشركات مثل جوجل ومايكروسوفت وغيرها مقابل دمج محرك البحث الخاص بها في البرنامج، فمثلاً تدفع جوجل لشركة موزيلا 300 مليون دولار سنوياً مقابل جعلها هى محرك الرسمي في التطبيق، فجوجل تريد كل البحث من جميع المتصفحات يكون عليها لتربح أكثر. أي أن المصدر هو تمويل مباشر وظاهر من أحد الجهات مثل جوجل ومحرك بحثها. لكن كيف تربح جوجل وتطبيقاتها وخدماتها المجانية؟ من المعلومات.
بيانات المستخدم مصدر دخل
كل يوم نستخدم متصفح جوجل والجيميل واليوتيوب وخرائط جوجل وعشرات الخدمات التي يقدمها محرك البحث، لكن معظمنا لم يفكر كيف تربح جوجل، والبعض يقول أنه من الإعلانات، وهذا صحيح؛ فمعظم دخل جوجل من الإعلانات، لكن لكي يقدم المعلن على الدعاية لدى جوجل لابد أن يعلم أنه سيحصل منها على العائد الأفضل، لذا تسعى جوجل للاستفادة من أطنان البيانات الشخصية، فهي تعلم ماذا تبحث عنه في محركها، وما هي المواقع التي تزورها، وما موقعك الحالي والطرق والأماكن التي تبحث عنها في خرائطها، والفيديوهات التي تهتم بمشاهدتها في اليوتيوب وأرقامك المسجلة .. وغيرها من البيانات التي تستطيع من خلالها أن تقدم أفضل وأنسب الإعلانات التي تحقق أكبر عائد للمعلن. معظمنا يذكر تهديد المفوضية الأوروبية لجوجل بأن عليها الكشف عن ماهية البيانات التي تأخذها من أجهزة المستخدم وفيما تستخدمها وهل تشاركها الآخرين وغيرها. كما حكمت محكمة أمريكية على جوجل بالغرامة لأنها تتلصص على وضع الأمان في متصفح سفاري وتراقب المستخدم، حتى مايكروسوفت قدمت فيديو ساخر العام الماضي عن الجيميل وأنه يتلصص على الرسائل. لذا فجوجل لا تريد أن تجعلك تدفع مقابل خدماتها، لكنها تريدك فقط أن تستخدمها لتعلم المزيد عنك.
الأمر ليس حكراً على جوجل بالطبع فحتى أبل صدر ضدها حكم قضائي الأسبوع الماضي من محكمة ألمانية يطالبها بأن تخبر المستخدم بشكل دقيق عن البيانات المأخوذة، وألا تقوم ببيع هذه البيانات إلى شركات أخرى. كما تقوم مواقع مثل فيسبوك وغيرها بتطبيق نفس المفهوم بأن يتم تجميع بيانات عن المستخدم ثم استغلالها.
الشهرة الهدف
تقوم الشركة بتحمل تكاليف تطبيق مجانى جيد ويكون الهدف هو انتشار التطبيق وعمل دعاية للشركة، وعندما يصدر تطبيق آخر لها غير مجاني ينتشر عالمياً لأن الجميع يقول “لقد جربنا تطبيقات الشركة المجانية وكانت رائعة، فبالطبع تطبيقهم المدفوع سيكون كذلك“، وكثيراً ما نجد تطبيقات تذكر في وصفها في متجر البرامج “تطبيق من الشركة صاحبة تطبيق كذا الذي حقق المركز الأول في 50 دولة“. أي أن الشركة تتحمل الخسائر وتضعها ببند الدعاية.
وربما يحدث كما شاهدنا عشرات المرات أن تزداد شهرة التطبيق إلى أن تقوم شركة عملاقة بالاستحواذ عليه مقابل عشرات بل مئات الملايين.
الدعم العسكري
هذا نوع آخر من استخدام البيانات، فهدف التطبيق هو جمع المعلومات لكن لن يتم استخدامها في الدعاية أو الإعلانات كما تفعل جوجل، لكنها تذهب لأغراض عسكرية، وبالطبع هذه النوعية من التطبيقات تظل دوماً مثار جدل حول حقيقتها. أشهر هذه التطبيقات هو Viber الذي يوفر خدمة اتصالات رائعة وعالية الجودة، ويعمل على كل أنظمة التشغيل سواء الحاسب أو الهاتف، ولا يقدم إمكانية شراء مكالمات مثل سكايب وفرينج، أي أنه مجاني تماماً. شركة فايبر مقرها قبرص لكن مكاتب الإدارة والخدمات تقع في “تل أبيب”، كما أن مؤسس الشركة خدم لـ 4 سنوات في الجيش الإسرائيلي، وهذا ربما يفسر لماذا خدمات الشركة مجانية وعالية الجودة؛ حيث يشير موقعهم الرسمي أن التطبيق مجاني ولن يتم دفع مقابل له، ولن يضم التطبيق إعلانات، ولن يتم دفع أي رسوم مقابل المكالمات .. وفي النهاية يذكر أن الجودة لديهم أصبحت أفضل من الاتصال المباشر بالإضافة إلى أنها مجانية، فهل هذا يثير الشكوك حول تمويل عسكري؟
ربح غير مباشر
نوع آخر من الشراء من داخل التطبيق لكنه يختلف في كونه غير إجباري، فالمعتاد في الشراء من داخل التطيق أنك تحصل على خدمة ناقصة وتجريبية، وإذا أردت خدمة كاملة عليك الدفع، لكن بعض الشركات تنتهج أسلوباً آخر بأن تقدم خدمة مجانية وتهدف إلى جعل المستخدم يعتاد عليها ويستخدمها بشكل يومي، ولأن طبيعة الاحتياجات البشرية متزايدة فبعد فترة سيجد المستخدم أن خدمة الشركة لا تكفيه ويريد الحصول على المزيد، هذا المزيد يكون بمقابل، وينتشر هذا الأمر في الخدمات السحابية مثل دروب بوكس وغيرها، فمع كثرة استخدام هذه الخدمات ستجد المساحة غير كافية وتريد شراء المزيد.
التطبيقات الدعائية
وهو أن تدفع جهة ما أو منظمة دولية مثل اليونيسكو وغيرها تكلفة التطبيق للمطور مقابل أن يجعله مجانياً، وهذا الأمر ينتشر في التطبيقات التعليمية أو الخيرية أو تلك التي تحمل رسالة وأهداف موجهة حيث تهدف الجهة -التي تتحمل ثمن التطبيق- إلى نشر الفكر أو الرسالة أكثر من اهتمامها بالأموال.
الخلاصة:
لا يوجد شخص أو جهة أو شركة لا تهدف إلى الربح، فالتطبيق إما أن يكون مدفوعاً أو يحتوي على إعلانات أو شراء من داخله، أو أن هناك جهة دفعت ثمنه أو يقوم بجمع المعلومات من خلاله للربح منها، وعشرات الطرق الأخرى. لكن الخلاصة أن من قام بتصميم التطبيق يريد الاستفادة منه.