بالأمس كان العالم يتداول خبر وهو استحواذ شركة فريزون على قطاع الإنترنت في ياهوو مقابل 4.8 مليار دولار. الخبر كان صادم فالشركة العملاقة بيعت بمبلغ لا يشتري ثلث تطبيق واتس آب. ياهوو التي كانت تزيد قيمتها عن 100 مليار دولار في الماضي باعت كل قطاعات الإنترنت بمبلغ زهيد. فما سر إنهيار ياهوو وكيف يمكن أن نستفيد منه؟
في البداية وللتوضيح فإن الصفقة هى شراء قطاع الإنترنت سواء محرك البحث والبريد والخدمات والتطبيقات وكذلك الشركات التابعة الأخرى لياهوو. لكن ليس شراء كامل. قيمة ياهوو السوقية 36 مليار دولار فإذا كنت تتسائل أين ال 31 مليار الأخرى فالإجابة هى في التنين الصيني “علي بابا” والذي تملك ياهوو حصة 15% منه، وقيمة علي بابا اليوم 207 مليار أي حصة ياهوو 31 مليار دولار. أي أن الصفقة هى بيع كل شيء مملوك لياهوو لكن يبقى هناك كيان استثماري سوف يدير استثمارات الشركة في علي بابا وغيرها. نعود لقصتنا هنا وهو ماذا حدث لياهوو؟
استحواذات فاشلة
تعيينك لموظف ماهر لكن لا تحتاجه يعدد قرار فاشل. تعيينك لموظف فاشل في قطاع مهم أيضاً قرار فاشل. هذا هو ملخص استثمارات ياهوو واستحواذاتها. وبالنظر إلى تاريخ ياهوو ستجد هذا الأمر فالبداية مع صفقات فاشلة أو مبالغ في قيمتها مثل …
موقع Broadcast.com والذي تم شراءه عام 1999 بقيمة 5.7 مليار دولار، هذا الموقع كان راديو إنترنت، تخيل أن ياهوو قيمت المستخدم بـ 10 آلاف دولار. نعم موقع لديه 570 ألف مستخدم بيع بـ 5.7 مليار دولار وكانت كارثة مالية وفشل في جلب أي أموال وانتهى هذا الموقع وعدلت ياهوو خدمته عدة مرات وآخرها تحويله ليصبح ما يسمى راديو موسيقى ياهوو. لكن الخلاصة كانت أن لديك شركة لا تعلم كيف تستفاد منها.
المثال العكسي كانت نماذج ناجحة فاشلة مثل فليكر وتمبلر… ناجحة نقصد بها أن هذه مواقع حقاً مفيدة ولها مستخدميها. لكن الصفقات أيضاً بسعر مرتفع مثل تمبلر. ياهوو ليس لديها خطة كيف تستفيد منهم وتحقق عائدات. وبالتالي أصبحت الصفقة تكلفة إضافية وإهدار لأموال الشركة.
الخلاصة: إذا اشتريت شيء سيء سوف يضرك، وإذا اشتريت شيء جيد لا تستطيع إدارته فقد أهدرت مالك وسوف يضرك أيضاً.
استحواذات لم تتم
في الوقت الذي أهدرت ياهوو فيه مليارات على صفقات ليست ذات جدوى. أفلتت الشركة صفقتين. هل تعلم ما هما؟! إنهما شركتي جوجل وفيسبوك.
1
جوجل: الشابين لاري وسيرجي كان لديهم مشروع يدعى “جوجل” وهو محرك بحث. بدأ الصديقان بالبحث عن تمويل ومن الجهات التي لجئا لها كما ذكرت تقارير شركة ياهوو… نعم طلبا من ياهوو تمويل مشروعهم “جوجل” وتكون لها حصة فيه لكن ياهوو رأت أن هذه الفكرة غير مناسبة :). الأمر لم يتوقف عند هذا لكن في 2002 أي بعد 4 سنوات فقط كانت هناك فرصة جديدة لشراء جوجل مقابل 5 مليار دولار… كانت وقتها ياهوو تعاني من أزمة مالية لكن كان يمكنها الحصول على تمويلات بنكية والاستحواذ على جوجل بالكامل. لكن Terry Semel رئيس ياهوو رأي أن “جوجل” لا تستحق المبلغ المطلوب (تصف بعض المواقع الأجنبية تيري أنه أفشل رئيس تنفيذي في تاريخ التقنية بسبب قراراته الغريبة). الخلاصة كانت هناك فرصتين مرة للاستثمار في جوجل ومرة لشراءها لكن ياهوو فضلت عدم القيام بهذا.
2
فيسبوك: نفس ما حدث مع جوجل تكرر مع فيسبوك. أسس مارك زوكربيرج وشركاءه الأربعة (نعم مارك له 4 مؤسسين معه) فيسبوك في عام 2004 وبدأ الموقع في تحقيق الشهرة وبعد عامين أي في 2006 تحدثت الصحف أن مارك طلب 1 مليار دولار لكن فريق ياهوو بقيادة العبقري المدمر تيري المدير التنفيذي (الذي لم يشتري جوجل) رأي تخفيض المبلغ إلى 850 مليون دولار وفشلت الصفقة.
عصر الهواتف الذكية والتواصل
استمرت ياهوو في تخبط غريب وقرارات غير مفهومة والتي بعضها يشعرك بأن القيادات كانت بعيده عن الواقع. فمع إنطلاقة الهواتف الذكية وجدنا ياهوو تغيب عنها، لم تفكر في تقديم نظام تشغيل -وإن كان هذا صعباً – أو تطبيقات متعددة في البداية. بمنتهى البساطة تركت هذا العصر يمضي أمامها… ثم مع إنطلاق هوس تطبيقات المحادثة في الأعوام الـ 5 الأخيرة نجد ياهوو مرة أخرى تقدم خطوة غير مفهومة. تقرر عدم تطبيق تطبيق ياهوو للمحادثة والذي كان له شعبية ساحقة نهاية العقد الماضي وأكملت القيادة هذا الأمر وقررت إغلاق غرف المحادثات الجماعية في 2012. نعم في الوقت الذي توجه العالم نحو الهواتف وتطبيقات المحادثة قررت ياهوو مغادرة هذا العالم.
لا نهتم بالمستخدم
رأس مال أي شركة في العالم هو مستخدميها. هذا أمر منطقي ومفهوم للجميع عدا قيادات ياهوو المتعاقبة وعلى رأسهم تيري صموئيل الذين لم يهتموا بما يريده المستخدم مثل:
1
الاتفاق مع الحكومة الصينية على منح المعلومات. فعندما ضغطت الصين على الشركات للوصول لبعض البيانات ومراقبة المستخدمين رفضت الشركات ومنها جوجل مما أدى لحجبها وحتى الفيسبوك محجوب. ياهوو قررت الموافقة والاتفاق مع الصين. وبهذا ربحت وجودها داخل الصين لكنها خسرت ثقة المستخدم.
2
البريد الإلكتروني: عانى مستخدموا ياهوو من الرسائل الإعلانية المزعجة “سبام” لكن الشركة لم تهتم معتمدة أن منافسها وقتها “هوتميل” هو الآخر يعاني من الأمر نفسه وكأن القاعدة هى ليس أن تقدم الشيء الصحيح لكن لأنك أفضل من غيرك. لذا عندما قدمت جوجل الجيميل والذي ارتكز بشكل أساسي على حجب “السبام” خسرت ياهوو ومايكروسوفت أيضاً الكثير من المستخدمين لصالح جوجل لتركهم مشكلة بدون علاج.
3
إغلاق خدمات: في عصر ماريسا (النقطة القادمة) بدأت جوجل إعادة هيكلة وإصلاح قوي لكن للأسف كانت هناك قرارات عنيفة بإغلاق خدمات أفقدت الشركة الكثير من عشاقها.
عصر ماريسا ماير
في 2012 فكر مؤسسوا ياهوو وكذلك المستثمرين أن الشركة تسير في طريق غير صحيح وقرروا أمر مختلف وهو قيادة من المنافس جوجل وبالفعل تم تعيين ماريسا ماير قيادة جوجل الشهيرة والموظفة رقم 20 فيها وأحد المسئولين عن إنشاء الكثير من الخدمات محرك البحث والصور والأخبار والخرائط والكتب والجيميل وكانت ضمن أفراد مسئولين عن دعايا جوجل AdWords. ماريسا عندما جاءت أعلنت العصر الجديد وكان ملخصه هو إغلاق جميع الخدمات والمواقع والتطبيقات وأي نقطة لا تحقق أرباح أو لا يوجد لها خطة لتحقيق أرباح. الأمر كان رائع من ناحية تقليل النفقات لكن المؤسف أن هذا الإجراء تم بعنف وتم إغلاق أي شيء لا يدر ربح مما جعلنا نودع أمور مثل مدونة مكتوب. المحور الثاني الذي عملت عليه ماريسا هو التوقف عن محاولة تحدي جوجل “شركتها القديمة” فياهوو لن تستطيع أن تجعل محرك بحثها يتفوق على جوجل. لذا دعونا نقدم أمور مختلفة مثل الاتفاق مع مايكروسوفت ودروب بوكس لتقديم خدمات لعملاءها كما سعت لتعيين الكثير من الموظفين الجدد والاهتمام بتطبيقات الهواتف الذكية. وبالفعل نجحت ماريسا في هذا الأمر وارتفع قيمة السهم من 16 دولار إلى 36 دولار (جزء من هذا الارتفاع بسبب نجاحات علي باب).
بالرغم من نجاح ماريسا لكن كانت هناك مشكلة وهى العائدات الجديدة. أسلوب ماريسا الأساسي كان في تقليل النفقات لتصبح أقل من العائدات وبالتالي تربح الشركة. لكن ياهوو لم تتمكن بعد 4 سنوات لماريسا من العودة كمنافس حقيقي في السوق. بل أن ماريسا هى الأخرى حققت ما يفعله السابقون وأهدرت الأموال في شراء تمبلر ولم تربح منه.
الخلاصة
من يقرأ الأسطر في أعلى سيقول “يا بن سامي ذكرت أنك ستقول سر فشل الشركات ثم تحدثت فقط عن ياهوو؟” الإجابة هى هذا حقيقي فقد ذكرت سر فشل ياهوو لكن أبحث عن أي شركة انهارت وفشلت وستجد نفس النقاط تتحقق… هل ترى أن ياهوو فشلت لأنها لم تجاري السوق؟! ماذا عن نوكيا؟ حدث الأمر نفسه عندما عرض عليها أندي روبن تبني الأندرويد ورفضوا… هل تريد مثال عن شركة عرض عليها فكرة عبقرية ثورية وتجاهلتها؟! إليك ويسترن يونيون شركة تحويل الأموال. عندما عرض عليهم جرهام بل شراء الهاتف سخروا منه وأخبروا من الذي يرغب في سماع صوت شخص آخر في لعبتكم. نسخر من ياهوو لعدم شراء جوجل فما بالكم بمن رفض شراء فكرة الهواتف؟! الآن ويسترن تعمل فقط في مجال تحويل الأموال وقيمتها 10 مليار دولار في حين شركة AT&T (الشركة التي اشترت شركة جراهام بل للهواتف) قيمتها الآن 265 مليار. الأخطاء التي قامت بها ياهوو ستجدها في أي شركة تفشل ونسمع بيعها أو إفلاسها. فقط قم بتغيير الأسماء لكن الفكرة تتحقق.
المعادلة السحرية للفشل هى:
1
لا تقدم جديداً يواكب تغيرات العصر وظل مستمراً على أوهام القوة السابقة كما فعلت نوكيا مع الأندرويد وياهوو مع منافسيها.
2
لا تستثمر أموالك في تطوير العمل نفسه وموظفيك (فقدت ياهوو مئات الموظفين لصالح منافسيها).
3
لا تقم بدراسة توجه شركتك هل هو لأعلى أم أسفل وواصل العناد بأنك تتقدم (هل يعقل أن يستمر تيري في قيادة ياهوو 6 سنوات؟!).
4
لا تحاول معرفة أين الخلل لتعالجه بل قارن نفسك بآخرين أقل منك لتشعر بأنك أفضل (كما حدث في بريد ياهوو).
5
لا تفكر في تنويع مصادر أرباحك فعندما يفشل قطاع لديك لا تفكر ما المشكلة لأن الحصيلة النهائية أنك رابح بشكل إجمالي (كما ارتكنت ياهوو على نجاحات علي بابا واستثماراتها فيه).
6
لا تفكر بمنطقية بل واصل العناد بأن نقطة معينة سوف تربح (كما حدث مع ياهوو التي واصلت الانفاق في البحث أملاً في هزيمة جوجل وكان يمكن أن تتفوق في أمور أخرى).
7
لا تهتم بالخدمات التي يفضلها متابعوك وقم بحذفها أو عدم تطويرها بدعوى أنها لا تحقق عائد لكنها ستخسرك اسمك وشعبيتك (كما رأينا مع ياهوو في إيقاف الخدمات).
8
المخاطرة المتأخرة: من أسباب النجاح هو المخاطرة وتقديم أمور جديدة. ياهوو ظلت سنوات ولا تزال لليوم تقدم نفس ما كانت تقدمه قبل عقد كامل. عندما وصلوا للإنهيار التام في 2012 قرروا تغيير الأسلوب وتعيين ماريسا التي تميزت بالجراءة للمخاطرة. لكن للأسف جاءت الخطوات متأخرة ولم تفلح في إنقاذ الشركة.
ما رأيكم في فشل شركة ياهوو وصفقة بيعها؟ وهل تتفق معنا في أسباب الفشل؟
المصادر:
wikipedia | econsultancy | Techcrunch