في مقابلة حصرية له في عام 2008، أي قبل ثلاث سنوات فقط من وفاته بسرطان البنكرياس، تحدث مؤسس شركة آبل ستيف جوبز عن مفاتيح نجاح الشركة. تلك المفاتيح وإن شئت قل الأفكار الجريئة غير الروتينية هي التي أحدثت نهضة نوعية في عالم التكنولوجيا امتدت جذورها إلى بيئات أخرى مختلفة عن تلك البيئة التي نشأت فيها. فأصبحت تلك الأفكار ملهمة لكثير من القادة ليس فين المجال التقني فحسب ولكن في مجالات أخرى مختلفة. فالكل يدلي بدلوه في بئر آبل، وحتما سيخرج ما يروي ظمأه. في هذا المقال، نلقي نظرة على بعض تلك الجواهر الصغيرة والنفيسة التي ألقاها الراحل ستيف جوبز على جمهوره. لعلنا نستفيد ونفيد.

ستيف جوبز: قرار واحد يفصل بين القيادي الناجح والغير ناجح


هل كانت وظيفة جوبز سهلة؟

أحد الأسئلة التي وجهت له في تلك المقابلة. حيث قال جوبز بأن وظيفته ليست سهلة كما يعتقد الناس. وأن الهدف الرئيسي من تلك الوظيفة وهو ما يجعلها ليست سهلة هي محاولة إيجاد الأفضل وتقديمه للناس. والطريق إلى النجاح لن يكون مفروشا بالورود ولن يكون سهلا أبدا، وكأنك تتنزه في حديقة. وكان يقول: أن أفضل الرؤساء لابد أن يتمتعوا بالحزم قليلاً أو يكونون قاسين بعض الشيء. وبالفعل هذا ما وجدناه في جوبز، فقد قام بطرد اثنين عبقريين ومحترفين في الإدارة في بداية مشوار آبل بعد فترة قصيرة من تعيينهم. فقد رأى جوبز أنهم بارعين حقا في الإدارة ولكنهم لا يقدمون جديدا أو لا يعرفون شيئا آخر. فاستعمل معهم القسوة وطردهم.


إذا ماذا كان يريد جوبز؟

أحد الأسئلة التي قوبلت بأسئلة أخرى من جوبز حيث قال: كم عدد التنفيذيين الذين يزعمون أنهم يريدون جعل حياة الناس أفضل؟ وكم عدد الزعماء الذين يمكن أن يكون هدفهم هو تنمية معارف الناس وتوسيع مداركهم والتقدم في حياتهم المهنية، بمعنى جعلهم أفضل. وهذا مفتاح النجاح الذي ينبغي أن ينصب عليه تفكير هؤلاء المدراء. ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الأشخاص محترفين في مجالاتهم ملتزمين فقط بأدوارهم، نحن نريد أناسا شغوفين ومبتكرين.


البقاء ليس للأقوى

كلنا يعلم مصطلح البقاء للأقوى، ولكن هذا المصطلح عندما يذكر، فأول ما يتبادر إلى الأذهان هو نوع من أنواع الافتراس سواء كان الجسدي الحيواني كأن يزيح أحدا آخر ليحل محله بأي شكل من الأشكال. أو هو نوع من القوى المجتمعية على اختلاف ألوانها وأشكالها وطبقاتها وطرائقها التي تغلّب مصلحة الأشخاص منفردين على مصلحة العمل والجماعة. الأمر الذي يجعل هؤلاء المدراء متقوقعين على أنفسهم، متخبطين في قراراتهم، يحكمهم الروتين الصلب، وبالتالي يسقطونه على من دونهم، إنما هي خطوات يسيرون عليها وينظرون فقط تحت أقدامهم.


إنما البقاء للأصلح

نعم البقاء للأصلح، قالها ستيف جوبز “العمل إنما يكون من أجل الربح، ويكون الربح من أجل العمل” دائرة تخدم نفسها بنفسها. نربح لنتطور ونقدم جديد، حتى لا يكون الربح فترة قصيرة يعقبه خسارة أبدية.

وقال أيضا: لا بد أن تتحمل الضغوط والأعباء، والنظر هنا وهناك، والبحث المستمر، والعمل على مشاركة الموظفين وتنمية المهارات القيادية. حيث يجب على الأفراد المشاركين في نفس الفريق التنافس ضد بعضهم البعض. وأن من يمتلك موهبة الابداع والابتكار عليه أن يسخر هذه القدرات لتغيير العالم وتغيير التاريخ.


التحدي الحقيقي

كان ستيف جوبز يعرف جيدا أنه وقبل كل شيء، يجب التركيز على توظيف أذكى العاملين في مجال المعرفة، والسماح لهم بإدارة الذات، ورسم الأشياء من تلقاء أنفسهم بدلا من الإدارة التوجيهية الصارمة الدقيقة عليهم. بمعنى طالما تقدر على الإبداع فأبدع وأرنا ما لديك ونحن نقيمك ونساندك. ولكن توفر الإبداع والابتكار في حد ذاته لا يقدم شيئا، إنما وضع هذه الأشياء في الواقع يعتبر هو التحدي الحقيقي. فالإيمان بالفكرة والإصرار على تنفيذها يضيف قيمة حقيقية للعالم. وصدق الكاتب مصطفى صادق الرافعي عندما قال:

وإذا لم تزد على الدنيا شيئا فأنت زائد عليها

وهذه النقطة وحدها ميزت ستيف جوبز وأمثاله اليوم عن غالبية الرؤساء الذين يتحكمون في كل صغيرة وكبيرة بدءا من عمليات الإدخال إلى عمليات الإخراج والنتائج النهائية. حيث قال جوبز: “ليس من المنطقي أبدا أن تقوم بتوظيف أشخاص أذكياء وإجبارهم بما يجب أن يفعلوه وما لا يجب وألا يحيدوا عنه أبدا، فنحن نوظف أشخاصا أذكياء حتى يتمكنوا من إخبارنا بما يجب علينا القيام به” لعلهم يرون أشياء في صالح العمل لا يراها القادة.


رؤية مشتركة

وحرص جوبز على أن يكون لدى المسئولين رؤية مشتركة، وأن يكون هناك إجماعا على تلك الرؤية. والحقيقة أن قادة آبل كانوا يشاركون بفاعلية في توضيح الرؤية بشكل متناسق وهادئ حتى فهم موظفو آبل ذلك بوضوح، وتحمسوا بشأنه، وشعروا بغاية عميقة في تحمله.

في بيئات العمل اللامركزية اليوم، يقوم القادة الجيدون بتسجيل مساهمات وأفكار وابداعات أتباعهم في الرؤى المختلفة. الأمر الذي يشعرهم بأنهم مستثمرون في تلك الشركات وعليهم أن يحافظوا وينمو استثماراتهم. وبالطبع هذا يحفزهم على التعاون والإبداع بحرية فيما لا يتجاوز المتطلبات الأساسية للوظيفة. هذا ما يجب أن يكون عليه كل زعيم.


وفي النهاية جعلهم أفضل

هذه الممارسات البديهية التي قام بها جوبز هي التي مهدت الطريق أمام الناس لجعلهم أفضل أو لجعل حياته أفضل. ومن خلال إيمانه بتابعيه وأنهم في الحقيقة جيدون ومبدعون وأذكياء، أعطى فريق العمل وقادة آبل للعمال الأدوات والموارد اللازمة للتنمية وتقديم أشياء رائعة.

برأيك هل مساندة الإبداع والابتكار والتحلي بالجرأة لتنفيذ ذلك على أرض الواقع هو من أهم عوامل التقدم والنجاح والحفاظ عليه؟ أم هناك متطلبات أخرى أهم بكثير من ذلك؟ أخبرنا في التعليقات.

المصدر:

INC

مقالات ذات صلة