هل تتذكرون مؤتمر Time Flies والذي انتظرناه للإعلان عن الآي-فون ولكن تم تأجيل الأمر، وخلال الحدث، أعلنت ليزا جاكسون نائبة رئيس البيئة والمبادرات الإجتماعية في شركة أبل أن مكاتب ومحلات ومركز البيانات العملاقة تعمل الآن بالطاقة المتجددة بنسبة 100%، كما تعهدت أنه في غضون العقد المقبل، ستحقق الشركة تأثيراً مناخياً صفرياً عبر العمل بأكمله، بما في ذلك سلسلة التوريد وجميع دورات حياة المنتج، سيكون كل جهاز تبيعه أبل محايداً تماماً للكربون، بدءا من جمع المواد وتصنيع المكونات والتجمع والنقل والشحن وصولا لإعادة التدوير أو استعادة المواد، وبالنظر لهذا العمل الفذ المثير للإعجاب، لا يمكن إنكار أن شركة أبل قد احتلت مكانتها كواحدة من أقوى الشركات في العالم في وقتنا الحالي، ليس فقط من الناحية المالية ولكن على الصعيد الثقافي والسياسي ولكن كيف استطاعت أبل تحقيق التوازن بين الربحية والاستدامة للحفاظ على البيئة.
لنفهم الأمر من زاوية مختلفة
أبل وصلت قيمتها السوقية إلى 2 تريليون دولار وما تحققه يساوي أكثر من اقتصادات العديد من البلدان بما في ذلك سويسرا و تركيا، في العام الماضي فقط، حصدت أرباح تقترب من 50 مليار دولار، ومع ذلك، تشتهر مثل هذه الشركات بإحداث فوضى في البيئة لأن هدفها مدفوع بتعظيم الإيرادات بأي ثمن، ومع ذلك، فقد حاولت شركة أبل تمييز نفسها عن الآخرين، من خلال الترويج لمصطلح الاستدامة التي تتبناه عبر عدة مبادرات تشمل البرامج التجارية والمنتجات المجددة وإعادة تدوير الأجهزة القديمة وتزويد المكاتب بالطاقة المتجددة وغيرها.
وبالطبع، الاستدامة والمحافظة على البيئة والموارد الغير متجددة وتحقيق صافي تأثير مناخي صفري بحلول 2030، كل هذا رائع ولكن ماذا تعني تلك المصطلحات بالضبط وكيف تجعل الشركة التي يحركها الربح، البيئة في أولويتها، لنغوص عميقا لنكتشف نوايا أبل.
التكلفة الحقيقية للتكنولوجيا
تشير التقديرات إلى أن 90% من جميع البيانات الرقمية للبشرية تم إنشائها في العامين الماضيين فقط، هذا يضع ضغطاً هائلاً على الكوكب لتوفير الطاقة والموارد اللازمة لتخزين مثل تلك البيانات. تساهم مراكز البيانات التي تعمل بالوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم في أكثر من 2% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، علاوة على ذلك، تم تصنيع أجهزة الآي-فون والآي-باد والماك والمنتجات الأخرى لأبل من معادن أرضية نادرة رخيصة الثمن وغالبا ما يتم تعدينها بشكل استغلالي في أجزاء من أفريقيا وآسيا، كما أنها سامة عندما تشق طريقها في النهاية للبيئة وفي حين أن هناك العديد من المبادرات المرحب بها لإصلاح وإعادة تدوير الأجهزة الإلكترونية، أشار تقرير للأمم المتحدة في عام 2015 إلى أن ما يصل إلى 90% من النفايات الإلكترونية في العالم والتي تصل قيمتها إلى 19 مليار دولار، يتم تداولها أو التخلص منها بشكل غير قانوني.
نظراً لطبيعة التكنولوجيا وكيف يتم تنظيم الأعمال، فلا شك أن التقادم سوف يحدث للمنتجات التي نحبها مما يمنحنا جميعا سبب إضافيا للتباهي في استخدام الأداة الجديدة الأكثر لمعانا دون التفكير في تأثيرها على الكوكب.
ولكن بينما نواصل التوق إلى هذه المنتجات الأنيقة باهظة الثمن التي تجعل حياتنا أفضل، هناك أيضا تكلفة إضافية للضرر الذي يلحق بالبيئة، من المهم أن نفهم أن الضغط الذي يفرضه المنتج على الموارد الطبيعية يحدث قبل أن يأتي بأيدينا، حيث أن المواد الخام يتم استخراجها من الأرض ثم عمليات الإنتاج والتعبئة والنقل وتلك ما هي إلى بصمة كربونية لمنتج تقني واحد من أبل، تخيل ملايين ومليارات الأجهزة في العالم سنويا.
توازن أبل
ومع ذلك، حتى ذلك الحين، سيكون من غير العدل توجيه أصابع الإتهام إلى أبل فقط، بعد كل شيء، هناك تاريخ طويل وراء اقتصادنا المنهك المدفوع بالاستهلاك، لا يوجد حتى الآن سعر كبير على التلوث أو ضريبة خاصة بالكربون الذي يتولد نتيجة عمل الشركات، علاوة على ذلك، يُحسب لأبل أنها بذلك بالفعل جهدا مستداما لتصبح أكثر استدامة نسبيا من الشركات الأخرى الموجودة. كما أن استثماراتها في الطاقة المتجددة جدير بالثناء، وهي تبذل الكثير لتنظيف سلسلة التوريدات الخاصة بها بالفعل مع رؤية لتحقيق أهدافها الصافية بحلول 2030.
ولا ننسى أن عملاق التكنولوجيا يكرس الوقت والجهد لتقليل بصمته العالمية منذ بدايته في 2007، حيث أثنت تقارير منظمات البيئة على كلا من أبل وجوجل لمضاهاة زيادتهما في نمو الإيرادات مع استخدام مكافئ أو أوسع للطاقة المتجددة، لقد كان أداء أبل جيدا بشكل خاص في شفافية الطاقة وشراء الطاقة المتجددة والإلتزام بها.
علاوة على ذلك، من الجدير بالذكر أن أبل كانت واحدة من أولى شركات التكنولوجيا التي أصدرت سندات خضراء في عام 2016، حوالي 1.5 مليار دولار والتي وصلت الآن إلى 2.5 مليار دولار وقد خصصت مبلغا رائعا قدرة 495.9 مليون دولار لمشاريع المباني الخضراء لإنشاء مبانٍ خضراء مثل حديقة أبل في أماكن أخرى. كما يتميز أحدث مباني أبل في اليابان بأنظمة لتجميع مياه الأمطار وتقليل معدل استخدام المياه بنسبة 75%، وبالمثل في متجر أبل الجديد بسنغافورة، يتم تبريد المساحات الداخلية بواسطة أجهزة تظليل شمسية متكاملة وأشجار داخلية، والألواح الزجاجية متوافقة مع نظام الاستدامة ولا تضر بالبيئة.
بعد ذلك، نجد برنامج إعادة استخدام الأجهزة من أبل والذي يسمح للمستخدمين بإستبدال منتجاتهم القديمة والحصول على خصومات على أحدث منتجات الشركة، يساعد ذلك في إطالة دورة حياة المنتج حيث يتم اعادة استخدام المكونات الحالية أو إعادة تدويرها بالشكل الذي تراه الشركة مناسبا، في نهاية عام 2017، أبلغت أبل أنها أعادت استخدام 50 طن متريا من المواد بالأجهزة القديمة وهذا بالتأكيد عمل جدير بالثناء.
هذا يعود بنا للسؤال الأهم…
هل أبل مستدامة حقاً؟
وفقا لمؤسسة التعليم الإقتصادي، قدمت أبل ادعاءات مضللة إلى حد ما حول مدى استدامتها، على سبيل المثال، تقول أن مراكز بياناتها تعمل بالطاقة الخضراء بنسبة 100%، ولكن وفقا للشركة نفسها، فإن 17% فقط من الطاقة التي تستهلكها الأجهزة تأتي من استخدامها الفعلي، يتم استهلاك الغالبية من خلال عمليات التصنيع والنقل وإعادة التدوير، وبالطبع الكثير من التفاصيل الدقيقة التي تحتاج أبل لشرحها. (ويقصد هنا المركز أن الأجهزة نفسها التي تستخدمها أبل تستهلك طاقة في مرحلة تصنيعها ونقلها إلى مراكز أبل وكذلك طاقة إضافية بعد انتهاء عمرها الافتراضي ويتم إعادة تدويرها؛ لكن أبل لا تقيس سوى الطاقة التي تستخدمها الأجهزة أثناء عملها).
ومع ذلك، لا يمكن إنكار تركيزها الحقيقي على تنفيذ ممارسات الاستدامة، بعد كل شيء، سيكون البديل هو عدم الاهتمام على الإطلاق، ولا توجد أي سياسات حكومية صارمة من شأنها أن تحكم الوضع، لذلك، من الجدير تقدير التقدم الذي أحرزه عملاق التكنولوجيه وأهدافه السامية نحو محاولته أن يكون أكثر لطفا مع البيئة بينما يستمر بتزويدنا بأفضل المنتجات التقنية التي يمكن أن يشتريها المال.
الخلاصة
هناك حاجة لتحول منهجي أكبر وسياسات حكومة صارمة من أجل تغيير أكثر أهمية عبر الصناعات التي ترهق البيئة والطبيعة وتساهم في أزمة المناخ العالمية، وعلى الرغم من نواقصها، تستحق أبل أن يكون لها مستخدمين مخلصين يعشقون التفاحة ويفضلون أجهزتها الرائعة ونظامها البيئي المميز، كما لديها برامج للإصلاح وإعادة الاستخدام والذي يطيل من عمر الأجهزة وحتى بعد سنوات من الاستخدام، لاتزال أجهزة الشركة تتمتع بالقيمة عند إعادة بيعها ولهذا تعتبر منتجات أبل خياراً جذاباً لأولئك الذين يرغبون في الاستثمار في الجودة والثقة والأداء الذي لا مثيل له.
المصدر: