وسط ضجة التكنولوجيا العنيفة التي باتت تحاصرنا من كل اتجاه والتي جعلتنا نخضع لها رغما عن انوفنا خصوصا في السنوات العشر الاخيره ،دعونا نرجع بالذاكرة عشره او خمسة عشر عاما وتخيل انك الان تسير على كورنيش القاهرة الساحره وتستنشق النسيم العليل ثم تلتفت يمينك وتجد احدهم ممسكا بجسم صلب بحجم (فردة حذاء) وقد وضعه على اذنه واخذ يتكلم فيه، صدقني ان اول ما ستقوله ساعتها (االلهم عافنا مما ابتلي به غيرنا)، ولا عجب في ذلك ففي هذا الوقت كان من النادر ان يمتلك احدهم حتى هاتف لاسلكي في منزله، والان تقدم بالذاكرة خمسة اعوام واذا بك تسير بنفس المكان وتقابل نفس الرجل وقد وضع فلتين في اذنيه واخذ يكلم نفسه اعتقد انك ستقول نفس العبارة ولكن هذه المرة ستقولها وانت مقتنع تماما بانه قد فقد عقله حتى اذا علمت انها سماعة اذن ستقول (ويخلق ما لا تعلمون).

حسنا يكفي هذا، ارى ان تعود بذاكرتك للواقع الذي تعيشه فانت الان جالس في منزلك ممسكا بجهاز أيباد تنهي صفقه بلمسه او لمستين ثم تلتفت لأيفونك وتتصل فيديو باولادك تطمئن عليهم وبعدها يذكرك جهازك بحلول وقت الصلاة فتصلي ومن ثم تعود للايباد تقرأ كتاباً أو تقرأ ما تيسر لك من القرآن على برنامج المصحف ولعلك شعرت بالجوع فتنتقل لبرنامج لاحد المطاعم الشهيرة تطلب غداءك ببضع لمسات بعدها تسلي نفسك حتى ياتي الطعام بلعبه مسليه وفي نفس الوقت مفيدة وتثري معلوماتك، فاذا اتى الطعام انتقلت للفيديو فتقوم بتشغيل احد التسجيلات التي تفضلها ولن تدع شاشة الايباد الصغيرة تضايقك اثناء مشاهدتك فبلمسه واحده صار الفيديو على شاشة التلفزيون ال٥٠ إنشا وبدون وجود اي اسلاك، و ها أنت الان اقتربت من انهاء غداءك، فيفاجئك جهازك بدفعه يذكرك فيها بموعد مهم بعد ساعه فتقوم و تتوضأ و تصلي ثم تستعد للخروج و لا تنسى اثناء انتقالك بسيارتك ان تضع أيفونك على حامله المركب سلفا وتشغل برنامج الخرائط ومن ثم تحدد وجهتك حتى لا تخطئ وتسلك احد الشوارع الخاطئه فتتأخر عن موعدك المهم  فاذا وصلت وركنت سيارتك لا تنسى ان تجعل هاتفك صامت حتى لا يزعجك فاذا فرغت من موعدك اعدته الى الوضع الاصلي ثم تعود لسيارتك وتكلم زوجتك واولادك فيخبروك بعودتهم الى المنزل ولكونك قد شعرت بالحنين لاسرتك وايضا شعرت ببعض الارهاق فتقرر العوده للمنزل ولكن مهلا فلديك موعد اخر الليله فماذا ستفعل، ثوان قليله تمر ثم يرشدك عقلك الى ارسال رساله قصيره تعتذر فيها عن هذا الموعد ولا بأس من ارفاق ابتسامه حتى لا تبدو فظا في رسالتك، وبعد ذلك تبدأ رحلتك عائدا الى المنزل فتسلم على اولادك وزوجتك وتدخل فتغير ملابسك ثم تخرج الى الصاله تجلس مع اسرتك تشاهد معهم احد الحلقات الكرتونية لتي اشتريتها من الأيتيونز ثم تلاعب اولادك قليلا بالعاب الايباد التعليمية والمسلية واخيرا اذا حان وقت النوم تتفحص الايميل فترد على احد الايميلات ثم تنتقل لجدول اعمال الغد ويمكنك ان تضيف مهمه او اكثر ثم تتأكد من تشغيل المنبه وربما احببت ان تستمع الى قراءة القرآن لتساعدك على النوم فتشغل برنامج الراديو وتختار الإذاعة المفضلة لك وتستمع لصوت شيخك المفضل وطبعا لا تنسى ان تضعه على الدوك المخصص لصوت اوضح وليتم شحنه بعد استخدامك له طوال اليوم.

بعد ما قرأت مذكرات رجل معاصر هل شعرت بالتغير الرهيب الذي حصل في السنوات الأخيرة وتستطيع ان تتأكد من ان التكنولوجيا قد دخلت في كل مجالات حياتنا خلال فترة وجيزه ،فانا لم اذكر سوى بعض الاستخدامات لرجل قد يكون بسيط بالنسبة لغيره ممن توغلت التقنية في حياتهم اكثر من ذلك.

من صاحب الفضل في هذا التغير؟ من وجهة نظري ارى ان الفضل يعود بعد الله تعالى الى شركة آبل ومديرها التنفيذي ستيف جوبز الرجل الذي غير مفهوم العالم كله بداية من الحواسيب الى الهاتف المحمول من ثم اجهزة الكبيوتر اللوحية وحتى الرسوم المتحركة وفي خطوات واثقه خطاها بكل جرأة متخطيا كل الشركات المنافسه داخلا الى مجالات جديدة حقق فيها النجاح من أول يوم، فهو لم يكتفي بمشاهدة السباق من المدرجات ولكنه صمم على دخول السباق والمشاركة فيه وبالفعل استطاع ان ينال الصدارة، ونجح في تغيير العالم من حوله.

اذاً رجل واحد يستطيع ان يغير في حياة الكثير! فمن يكون هذا الرجل في عالمنا العربي والإسلامي؟

مقالات ذات صلة