في 2011 كانت بذور الخلافات بين الشركات التقنية تنمو، ووقتها نشرنا مقال بعنوان “الحروب بين الشركات إلى أين؟” واليوم أصبح هذا الصراع تقليدي ولا يجذب الانتباه بل وانخفضت شدته بشكل كبير. لكن الملاحظ أن هناك صراع جديد يتزايد لكن ليس بين الشركات وبعضها البعض، بل تتحالف فيه الشركات سوياً لخصمهم القوي الجديد. إنه الحكومات والدول وكأن هناك حرب بين التقنية ودول الأمم المتحدة.

من ينتصر في صراع الشركات والحكومات

يكاد لا يمر علينا أسبوع ولا نسمع عن خلاف وقضايا بين الشركات التقنية وحكومات بعض الدول وسوف نقسم هذه الصراعات الكثيرة إلى ثلاث أقسام رئيسية وهى:

  • الصراعات الضريبية.
  • صراع الخصوصية والأمن.
  • صراع القوانين المحلية.

أحياناً سيتم ذكر أمثلة خاصة بأبل لكن هذا لا يعني أن الشركات الأخرى لا تقوم بالأمر نفسه، لكنها فقط أمثلة توضيحية


الصراعات الضريبية

في عالم “العولمة – Globalization” أصبح في إمكان الشركات التحرك بحرية واسعة في أي بلد في العالم. يمكنهم إنشاء مصنع في الصين دوره تجميع منتجات يتم تصنيعها في القارات الست ويتم الشحن من الصين إلى مختلف دول العالم ويتم تحويل العائدات لدول معينة ومنهم يتم دفع المقابل للشركات التي صنعت الأجزاء. وتكون الشركة الأم في بلدها لا يصلها أي أموال تذكر وبالتالي تدفع أقل ضرائب.

ما سبق هو اختصار ما تقوم به كل الشركات الكبرى في مختلف المجالات، لكن التقنية تحديداً لطبيعتها تجعلها الأكثر استفادة من هذه الخواص. فشركة أبل وجوجل ومايكروسوفت وغيرهم مقرهم في أمريكا لكنهم يقومون بإنشاء شركات فرعية حول العالم دورها استغلال الثغرات الضريبية. فمثلاً بإنجلترا يتم إنشاء شركة في الجزر المعفية من الجمارك والضرائب ويتم إدارة العمليات في إنجلترا بواسطة هذه الشركات وبالتالي لا تخضع للضرائب فنجد أبل تبيع في المملكة المتحدة بمليارات الدولارات وهناك الضرائب قد تصل إلى 40% لكنها فعلياً لا تدفع ضرائب 1%. أما مقر أمريكا فهو يحقق مليارات أرباح لكن أبل تركز فيه الانفاق مثل البحث العلمي وبالتالي صافي دخلها في أمريكا يكون قليلاً مما دفع الكونجرس للتحقيق مع أبل عدة مرات.

الأمر نفسه في أوروبا وعمليات أبل التي تدار من أيرلندا والتي توفر للشركة أقل ضرائب ممكنة فبالتالي تبيع التفاحة أجهزة في مختلف دول القارة العجوز بأقل تكاليف ممكنة. وتستخدم جوجل ومايكروسوفت وأمازون وغيرهم الطريقة نفسها في دول مثل ليختنشتاين ولوكسمبورج. وحتى في أمريكا نفسها تستغل الشركات ثغرة قانونية تقول أنه في حالة عدم دخول المبالغ إلى أمريكا فلا ضرائب. وبالتالي أبل تبيع حول العالم وتبقي الأموال بالخارج فلا تدفع ضرائب في أمريكا.

في أوروبا أبل دفعت 5 مليار يورو ضرائب ما بين 2003-2014… هل تتخيل هذا !!! والآن يتم مطالبتها بسداد فروقات تصل إلى 13 مليار يورو.

تبحث الحكومات حل لهذه الثغرات والتي جعلت شركات تربح المليارات تدفع ضرائب أقل من شركات تربح ملايين


صراع الخصوصية والأمان

هذا الصراع مزدوج فهو الوحيد الذي نراه من الطرفين. فمن ناحية تتهم الشركات الحكومات بأنها تجبرها على التعاون الأمني والتجسس على عملاءهم. ورأينا صراع أبل مع FBI والذي أراد من التفاحة منحه إمكانية الدخول للآي فون وتحالفت الشركات مع أبل ضد الحكومة، ونفس الصراع يحدث الآن مع جوجل وردت أبل الأمر وتقف الآن في صف جوجل حيث حصلت الـ FBI على مذكرة تفتيش قضائي تمنحها مراقبة متهم وطلبت من جوجل الدخول للبريد الخاص به لكن الأخيرة رفضت وقالت أن المذكرة صدرت من قاضي أمريكي لكن الخوادم التي بها بريد العميل موجودة خارج أمريكا وبناء عليه لا ينطبق عليها القانون الأمريكي. وبسبب عناد الشركات وعدم تعاونها بالشكل الكافي -الشركات تتعاون بشكل سري كما تسرب من قبل- رأينا تقارير مسربة تحدثت قبل أيام عن اختراق الـ NSA لغالبية التطبيقات والأنظمة. وتحدثنا مسبقاً عن تقارير الشفافية التي تظهر الطلبات الحكومية –هذا الرابط-.

لكن هذا الصراع مزدوج وليس من طرف واحد؛ فهناك أيضاً دول تتهم الشركات التقنية أنها تنتهك خصوصية عملاءهم، فمنذ سنوات تشن المفوضية الأوروبية صراع ضد جوجل بتهمة أن عملاق الإنترنت يرفض ذكر ماذا يفعل ببيانات العملاء التي يخزنها ومع من يشارك المعلومات. وهنا صراع قضائي آخر ضد فيسبوك والتهمة هى أن موقع التواصل الاجتماعي لا يحذف المنشورات والصور بشكل دائم وتام أي أنك تحذف صورة لكنها تظل على خوادم فيسبوك بدون توضيح فيما يستخدمها ولماذا يحتفظ بها رغماً عن مالكها الذي طلب حذفها.

الحكومات تريد رقابة أمنية على بعض الأشخاص وترفض الشركات هذا؛ وتريد الشركات جمع كل معلومات مستخدميهم واستخدامها وترفض الدول هذا


صراع القوانين المحلية

هذا الصراع من نوع خاص جداً. فطبيعة الشركات العالمية تجعلها تسعى لإقرار قانون موحد يطبق في مختلف دول العالم لكنها تنسى أن لكل دولة قوانين محلية وهنا يبدأ صراع جديد. فمثلاً رأينا قوانين في أستراليا وبعض دول أوروبا تقول أن الهواتف تباع بضمان “كفالة” عامين، لكن أبل مثلاً تضمن الآي فون لعام واحد. وبعد صراع وتهديد بمنع البيع قررت أبل تعديل الضمان في هذه الدول فقط مما يعد أمراً غريباً. فإذا اشترى شخصين هاتفين في نفس اليوم أحدهما في أمريكا والآخر في أستراليا وحدث بهما نفس العطل بعد 14 شهر وذهبا لمتجر أبل، فإن الذي في أستراليا يحصل على تغيير مجاني طبقاً للضمان والآخر يدفع لإصلاح نفس الخلل.

الأمر أوسع من مجرد الضمان فمثلاً القرار الألماني ضد فيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الاجتماعي بتغريمهم عشرات الملايين من الدولارات في حالة تأخرهم أو فشلهم أو عدم قيامهم بالمجهود الكافي لمنع منشورات عنصرية وتدعوا للكراهية والعنف والجرائم. كما رأينا دول تمنع بيع الآي فون إلا إذا قامت أبل باستثمارات فيها مثلما يحدث مع الهند وقبل أيام مع أندونيسيا ومن هنا تجد الشركات نفسها مجبرة على الاستثمار في سوق معين من أجل عدم خسارة فرص بيع أجهزتها فيه. لكن هناك دول أخرى تمكنت أبل من الحصول على استثناءات للعمل على طريقتها فيها مثل السعودية لكن لم نرى حتى الآن نشاط للتفاحة في سوق المملكة والذي يعد الأكبر عربياً. وواجهت أبل غرامات في تايوان بسبب التدخل في الأسعار هناك وقبل أيام واجهت الأمر نفسه مع روسيا.

تصطدم القوانين المحلية في الدول بطريقة عمل الشركات وحتى الآن تنجح في التصدي للشركات وإجبارها لكن هل يستمر هذا


من ينتصر؟

هذا الصراع فريد من نوعه فهو بين دول وشركات. نرى الدول تتصارع سوياً وشركات أيضاً لكن الإثنين معاً فهذا أمر نادر الحدوث ويذكرنا بصراع مايكروسوفت ضد أوروبا وأمريكا نهاية الألفية السابقة وقرار التقسيم الشهير. لكن الأمر الآن أختلف فالحكومات أصبحت أضعف والشركات أقوى. تمتلك كل شركة أسطول من المحاميين من أجل إيجاد الثغرات في قوانين الدول واستخدامها ضدهم. بل وتنفق ملايين الدولارات من أجل إنشاء مجموعات الضغط “لوبي” ضد الحكومات. وتعد جوجل هى أكثر شركة تنفق رسمياً أموال للتأثير على الحكومة الأمريكية وقراراتهم، وأبل أيضاً تشتهر بعلاقاتها الحكومية الواسعة فيكفي أن تذكر أن أل جور نائب الرئيس الأمريكي الأسبق “بل كلينتون” عندما ترك البيت الأبيض عينه جوبز في مجلس الإدارة ولا يزال بها إلى اليوم، فلا تتعجب عندما يصدر قرار ضد أبل لصالح سامسونج ثم بعد أيام يصدر الرئيس الأمريكي -أوباما وقتها- فيتو ضد هذا القرار ويلغيه ثم بعدها بأيام تجد زيارة لبعض أعضاء الكونجرس لمقر أبل. المقال ليس سياسياً لكننا نوضح فقط أن الشركات ستحارب الحكومات سواء بالقوانين أو بأموالها. فأبل تملك احتياطي دولاري أكبر من البنك المركزي الأمريكي نفسه. لذا صارعت الشركات ضد وصول ترامب فهو يعد بإخضاع الشركات التقنية للحكومات سواء في مجال الضرائب أو التعاون الأمني. شاهد جدول الإنفاق “الرسمي” لإنشاء مجموعات ضغط ضد الحكومة الأمريكية في 2015.

ما رأيك في صراع الشركات مع الحكومات حول العالم؟ ومن تتوقع أن ينتصر في هذا الصراع؟

المصادر:

apple | appletheguardianbloomberg |rt |telegraph |cnet

مقالات ذات صلة