من يتابع التقنية ربما يجد نفسه أمام تساؤل هام وهو “لماذا لا تبتكر أبل وسامسونج مثل الصينيين؟” شركة Vivo أطلقت عدة هواتف تضم حساس البصمة مدمج في الشاشة ثم قدمت هاتف NEX S والذي يضم البصمة المدمجة وكذلك كاميرا أمامية مختفية. تلتها شقيقتها Oppo والمملوكة أيضاً لشركة BBK مثل فيفو بإطلاق هاتف Find X والذي كشف عن كاميرا منبثقة وسرعة شحن من 0% إلى 100% في 35 دقيقة فقط. وبالطبع لا ننسى هواوي وهاتفها P20 Pro والذي جاء بأفضل كاميرا بفارق كبير “كاميرا ثلاثية” ومؤخراً الكشف عن حساس للوجه ينشر 10 أضعاف النقاط التي يقدمها الآي فون X. فأين أبل وسامسونج من هذه التقنيات؟ هل يمتلك الصينيون فرق بحث علمي وتطوير R&D أكبر من العملاق الكوري والأمريكي؟

الإجابة على هذا السؤال مركبة أي أن هناك الكثير من الأسباب التي تمكن الشركات الصينية من هذا الأمر. في هذا المقال نحلل سوياً بعض أهم هذه الأسباب.


مشاكل تصنيعية

عندما أرادت أبل الانتقال إلى تقنية معروفة منذ سنوات وهى شاشات OLED لم تجد مصنع قادر على توفير عدد الشاشات التي تطلبها أبل سوى غريمها سامسونج. شركات عملاقة مثل LG و شارب و شركة شاشات اليابان لا يمكنهم توفير عدد الشاشات المطلوب من أبل. الأمر نفسه تكرر عندما أرادت أبل ترك شركة كوالكم لم تستطع شركة إنتل العملاقة على مدار 3 سنوات أن توفي بطلبات بحجم أبل وحتى لحظتنا هذه يتوقع أن تزودها فقط بـ 70% من شرائح الآي فون القادم. كل ما سبق هى تقنيات موجودة وليس أمر مبتكر؛ إنها شاشات OLED وشرائح LTE. فما بالك إن طلبت أبل شيء مختلف جذرياً؟ بالطبع لن تجد مصنع يمكنه توريد العتاد لها. لكن لماذا لا تواجه الشركات الصينية نفس هذا المشكلة كأبل؟

بالنظر إلى مبيعات شركة أوبو الربع الأول هذا العام نجد أنها باعت 24 مليون هاتف تقريباً. ويمكننا القول أن معظم هذه المبيعات من أجهزة الفئة المتوسطة أي ربما باعت 4 مليون فقط فئة عليا. أي أن هاتفها Oppo Find X هذا ربما لن يبيع في عام كامل 5 مليون هاتف وهو أقل مما تبيعه أبل في أسبوع من الآي فون. لذا فحجم طلبات التصنيع التي ترسلها الشركة صغير للغاية مقارنة بأبل. والأمر نفسه يتكرر مع سامسونج مثل أبل.


الخطأ يصبح خطيئة

أطلقت أبل الآي فون 4 وظهرت مشكلة شبكة بالهاتف وقتها؛ أطلقت الآي فون 6 وظهرت مشكلة سهولة الثني؛ أطلقت سامسونج هاتف نوت 7 وظهرت كارثة إنفجار البطارية. هل تظن أن أبل وسامسونج لم يقوموا بفحص الأجهزة قبل إطلاقها؟ بالطبع حدث فحص لكن على كم جهاز يحدث؟ على 100؟ 1000؟ 10000؟ مشكلة بطارية سامسونج قيل أنها تحدث في جهاز كل عدة آلاف جهاز. لنفترض معاً أن كل 5 الاف هاتف سينفجر أحدهم. وقامت سامسونج بعمل فحص على 3000 جهاز في مصانعها ولم يظهر الخلل فيها. وصدر الهاتف وباعت سامسونج 50 مليون جهاز فهذا يعني حدوث 10000 انفجار رقم كارثي وهو ما حدث. الأمر يصبح أكبر مع أبل التي تبيع أكثر من 200 مليون آي فون سنوياً لنفترض أنه يحمل نفس احتمالية المشكلة السابقة أي جهاز كل 5000 جهاز. هذا يعني أننا أمام مشكلة تظهر في 40,000 جهاز. كارثة ضخمة بالطبع إن حدثت ونذكر سامسونج التي استدعت 2.5 مليون جهاز نوت 7 معيوب لمشكلة ظهرت في أقل من 1000 جهاز فقط.

ولأن مبيعات الشركات الصينية من الهواتف العليا قليلة للغاية مقارنة بسامسونج (فئة S و نوت) الذين هى الأخرى أقل بكثير من أبل فنسبة ظهور المشكلة قليلة. وكذلك التأثير الإعلامي التابع لها ضعيف للغاية.

تخيل معي أنك تسمع خبر “انفجار هاتف وان بلس”؛ وخبر “إنفجار الآي فون X” أيهم سوف يلقى رواج واهتمام إعلامي؟ إنه خبر الآي فون بالطبع. وهناك مثل مصري يقول “غلطة الشاطر بألف”. ومرة أخرى علينا أن نتذكر كارثة نوت 7.


تكلفة التصنيع

من المعروف أن أبل شركة تبيع هواتف بتكلفة عالية؛ وسعر الآي فون هو نفسه سعر عائلة S/Note في سامسونج. أما الشركات الصينية فميزتهم أنهم يقدمون هواتف منخفضة السعر. حسناً كم يبلغ سعر هاتف أوبو ذو الكاميرا المنبثقة وتقنية الشحن الخارقة Super Vooc. السعر داخل الصين هو 775 يورو أو 905 دولار. هذا هو السعر داخل الصين أما السعر العالمي فسيكون 999 يورو أو 1170 دولار. نعم هذا صحيح سعر هاتف Oppo بنفس سعر الآي فون X ذو 256 جيجا. وهناك نسخة خاصة تدعى لامبرجيني بسعة تخزينية 512 جيجا سيكون سعرها 1961 دولار.

هذا صحيح! ألفين دولار لهاتف صناعة Oppo. تخيل أن أبل ستقدم لك نفس هذه التقنية فكم ستبيعه؟ الهواتف أقرب ما تكون بغرض الشهرة لا المبيعات؛ هذه الأجهزة أطلقت دعايا لتجعل الجميع ونحن منهم يتحدثون. لندع نسخة لامبرجيني جانباً. هل يمكنك شراء آي فون بسعر 1500$ أو 2000$؟ هاتف نوت 10 من سامسونج مثلاً بهذا السعر؟ الجميع سخر من أبل عندما قدمت X بسعر ألف دولار فتخيل إذا أطلقت هاتف بـ 1500$ مثلاً.


اعلن عن تقنية وقدم غيرها

في مؤتمر WMC 2016 والذي عقد قبل عامين ونصف “مارس 2016” أعلنت شركة Oppo عن تقنية Super Vooc وقالت أنها يمكنها شحن الهاتف من صفر إلى 75% في 6.5 دقيقة وشحن الهاتف من صفر إلى 100% في أقل من 15 دقيقة. وقدمت بالفعل نسخ تشبه الهواتف ويتم إجراء شحن لها أمام الجمهور كما في الفيديو التالي؛ لكن أين التنفيذ؟ اختفت لأكثر من عامين ثم أعلنت تقديمها؛ وبعد أن كانت تقول أنه سوف يشحن من صفر إلى 100% في أقل من 15 دقيقة أصبح الرقم 35 دقيقة “في الوضع المثالي”. تخيل أن تعلن أبل عن تقنية ولا تقدمها؛ أو تقدمها بشكل أقل مما أعلنته قبل أعوام. ستكون فضيحة بكل المقاييس وستشن الصحف هجوم على أبل أو سامسونج إن فعلوا هذا؛ لكن مع أوبو وجدنا مدح كبير بهذه التقنية الخارقة “بالفعل هى أسرع تقنية شحن عملياً. تذكر أيضاً أن هناك تقنيات أخرى مثل عدسات متحركة لم ترى النور سوى في المؤتمرات؛ شاهد فيديو من مؤتمر WMC 2016 واختبار ما أعلن عنه قبل عامين وشحن 100% في 10 دقائق


الملكية الفكرية

أين تجد الصراع القانوني بين أبل وسامسونج بشأن براءات الاختراع؟ أو بين أبل وكوالكم؟ إنه في أمريكا وكوريا واليابان وسنغافورة. فهذه الدول بها قيود كثيرة على براءات الاختراع وسرقتها. أما داخل الصين فالأمر مختلف فهذه القيود أقل بكثير مما يسمح للشركات بسرقة براءات اختراع المنافسين “ليس أمر سهل لكنه أسهل من أمريكا”. القضايا تتكلف الكثير من الأموال والوقت لذا فالمنافس مثل أبل لا تراه يقاضي شركات صينية مثل شاومي بتهمة سرقة تصميم أجهزتها لأن شاومي تركز على المبيعات في أسواق بعيدة عن أبل؛ أما الأسواق الأمريكية والأوروبية فالمبيعات الخاصة بها هناك قليلة للغاية مما يجعل أبل تجد أنها سوف تنفق في القضية أكثر مما سيعود عليها منها.

مثال شركة Oppo مثلاً باعت كما قلنا في الربع الأول 24 مليون جهاز تقريباً. كان ثلثي هذا الرقم أو 15.5 مليون تقريباً داخل الصين؛ أي أن مبيعاتها خارج الصين تساوي أقل من 3 مليون جهاز شهرياً في مختلف الفئات عليا ومتوسط ومنخفضة. أي أن أبل ستجد في النهاية أنها 2 مليون جهاز فئة عليا في أوروبا وأمريكا مقابل أكثر من 100 مليون من أبل. فتلقائياً لن تقاضي أبل هذه الشركة وتضيع وقتها. لكن عندما تصبح هذه الشركات بحجم ضخم مثل سامسونج أو أبل فتلقائياً سوف ترى قضايا ضدها من أبل


الخلاصة

عندما تكون الفئة المستهدفة من المبيعات صغيرة فيمكنك تقديم أجهزة بتقنيات معقدة لأنه يسهل تصنيعها؛ كما تمتلك ميزة الشركات الصغيرة وهى أنها “صغيرة” والأخطاء لا تحاسب عليها بنفس قسوة الشركات الكبرى؛ وعندما تركز على السوق الصيني فأنت في حماية من الشركات الإمبرالية العدوه للمنظومة الصينية مثل “أبل”. لكن الشركات الكبيرة تعمل بطريقة مختلفة ومعقدة للغاية لتحمي نفسها وكذلك عملاءها.

لكن بالطبع هذا لا يعني أن الابتكار حكراً على أبل وسامسونج وسواهم لا يفهم في التقنية؛ فهناك تقنيات

في رأيك ما سر ابتكارات الصينين مؤخراً وهل تراه تفوق منهم على سامسونج وأبل؟ وهل يمكن أن تدفع 1000$ في هذه الأجهزة؟

المصادر:

CP | TheVerge | BI

مقالات ذات صلة