ما زلت أتذكر ذاك الوقت عندما كانت ساعة آبل -وأغلب الساعات الذكية- مجرد إشاعات وأقاويل. وقتها لم نملك لمجال الصحة إلا المتتبعات العادية مثل Fitbit والتي كانت وظيفتها عد الخطوات، الكيلومترات، وأحياناً نبض القلب بشكل ليس بالدقة التي نراها اليوم طبعاً. وساهمت تلك الأجهزة في جعل الكثير من الناس أكثر رغبة في التمرين وكانت الشكل الأساسي لخصائص الصحة في اليد. حيث أن فكرة ساعة ذكية كانت تضحك الكثير وأنا منهم. أولئك القائلين لن نستغني أبداً عن الساعات التقليدية لصالح ساعة ذكية وإن فعلت الأعاجيب. ثم تدور بنا الأيام وتحصد ساعة آبل لقب أكثر الساعات بيعاً في العالم (برغم أن هذا القول فيه بعض التلاعب وسنوضح هذا في مقال قادم) ولكن هذا لا يقلل من حقيقة شعبية الساعة. المهم هنا أن الساعة قامت بتبني خصائص الصحة بشكل جاد ويتم تطورها كل سنة والتركيز عليها. فكيف ساهمت الساعة في مجال الصحة بعد أربع سنوات؟


بداية تدريجية

ككل منتج جديد، لم يكن هدف الساعة الأولى هو التركيز على خاصية معينة بل هو تقديم المنتج للسوق وعرض كل خصائصها كجهاز يتلقى الإشعارات، يملك تطبيقات تتمتع بخصائص مهمة، وأيضاً كمتتبع للنشاطات الصحية، ولم يلمع ذاك الإصدار كثيراً في أي جانب على حساب الجانب الآخر وانتهى بمستخدميها المطاف مهملين خصائص الصحة ومستخدمين الساعة لعرض الإشعارات كما كان متوقعاً في البداية. ثم تصرفت أبل بذكاء مع كل تحديث فتقوم بإصدار الساعة الأحدث وإضافة خصائص جديدة مع تحديث الساعات الأقدم للحصول على الكثير من تلك الخصائص فيشتري الساعة الأحدث من هو مهتم بالعتاد الجديد فقط. وتتوالى السنين وتقوم أبل بالدفع بخصائص الصحة بقوة في منظومتها الكاملة وفي ساعة أبل بعدما تعود عليها السوق وأصبح قابلاً للتركيز على خصائص معينة.


إنشاء منظومة صحية كاملة

ساعة آبل لا تتصرف بمفردها كباقي الساعات. فهي لا تقوم فقط بتسجيل البيانات وعرضها في تطبيق كما العادة، بل جميع البيانات يتم تسجيلها وتحليلها وربط النتائج معاً للحصول على فوائد صحية حقيقة وهنا تنتقل ساعة آبل بمفهوم جهاز الصحة لمفهوم آخر. فقد كان قبلاً يمثل مساعداً للرياضة أكثر منه للصحة نفسها ولكن آبل الآن تقدمه كجهاز رائع لتحدي أصدقائك في الرياضة ولكنه أيضاً قد يكون مفيداً لصحتك الأساسية كحالات القلب والسكري والسجل الطبي إلى آخره. وكما تفعل آبل فهي لم تبن كل هذا وحدها بل سهلت الأدوات للمطورين من خلال HealthKit لصنع برامج أفضل وأكثر تناغماً مع الساعة وتطبيق الصحة في الآي-فون. كما أضافت لمنظومة المطورين أدوات مهمة جداً مهي CareKit و ResearchKit واللتان تقدمان العديد من الفوائد منها فوائدها الأساسية وهي تسهيل متابعة الطبيب لمريضه وتوفير الخدمة الطبية اللازمة عن بعد وتسهيل عمل الباحثين في المجال الطبي لعمل أبحاث مبنية على بيانات تم تجميعها من أعداد كبيرة من الناس وهذا بالضبط ما يحتاجه البحث الطبي (بالطبع يتم جمع المعلومات بعد الموافقة من صاحبها) وكل هذا تم بالشراكة مع أكبر المؤسسات البحثية مثل أوكسفورد وستانفورد وغيرها من المؤسسات المرموقة.


ويتم إثبات كفاءة الساعة

الهدف الآخر من خصائص الصحة والأبحاث والمفيد على المدى الطويل هو قدرة الشركة على تطوير طريقة تفكير منظومتها حين يتعلق الأمر بالصحة والأمراض من خلال كم المعلومات المجموعة. فأصبحت الساعة تنبه صاحبها عند حدوث أمر غير طبيعي. وأصبحت تقدر على الإحساس باضطرابات كتلك المتعلقة باختلالات القلب ومن خلاله مرض السكري وارتفاع نشاط الغدة الدرقية. كالمرة التي نبهت فيها سيدة إلى نمط ضربات قلبها الغير اعتيادي وعندما ذهبت للمستشفى تم تشخيصها بمرض زيادة نشاط الغدة الدرقية. أو تلك المرة حينما حذرت المريضة بناءً على نمط ضربات القلب أيضاً في وقت كانت المريضة جالسة في كنيسة وعندما ذهبت إلى المستشفى اكتشفت البنت إصابتها بمتلازمة آلبورت وفيها تسوء وظائف الكلى بشكل مستمر وتدريجي حتى تبلغ مرحلة الفشل، وأخيراً أريد ذكر تطبيق EpiWatch المطور من قبل مشفى جونز هوبكنز التعليمي والتي تعتبر أحد أكبر المشافي مستوى، وفائدة هذا التطبيق هي متابعة النوبات لمرضى الصرع. يكفينا أمثلة. أعتقد أنك فهمت المغزى.

أخبار كهذه هي مبثابة عود ثقاب مشتعل بمجرد لمسه للزيت أي الإعلام يتنشر بقوة ويؤدي لجعل صورة الساعة أفضل كثيراً عند مستخدمين لم يكن بعضهم ليفكر أبداً في شرائها. وتستمر الدائرة وتتوسع دائرة الشراء وسمعة الساعة.


كل هذا يقود للَّحظة الحالية

وهي لحظة الإعلان عن الجيل الرابع من الساعة بكل خصائص العتاد من سابقاته، وخصائص النظام الجديدة، وأيضاً خصائص العتاد الجديدة التي استطاعت آبل الحصول على تصريح لها من منظمة الغذاء والدواء الأمريكية واستطاعت إحضار رئيس مؤسسة American Heart Association وهم من يضعون القواعد الإرشادية لممارسة للأطباء إلى المسرح ليمدح الساعة بنفسه. فتصبح الساعة قادرة على تتبع ضربات القلب، مشاكل الصدر كالأزمة الصدرية ، وبإمكانها منذ السنة الماضية قياس الارتفاع كي تعلم نشاطك في صعود السلالم أو صعود الطرق الجبلية وهذا مفيد للرياضيين كما هو مفيد لمرضى القلب. أيضاً تستطيع الساعة متابعة مرضى الصرع وعمل رسم قلب (وهذا ليس بالعملية البسيطة). ومع كل هذه المميزات والخبرات التي يتم نشرها يومياً كوّنت الساعة أرضاً صلبة لما يمكن أن تقوم به الآن، والأهم لما يمكن أن تقوم به من مساعدات حقيقية للمجال الطبي والمرضى، حتى أصبحت بعض شركات التأمين الصحي تعرض الساعة مجاناً أو بسعر مخفض كجزء من الخطط الصحية لعملائها. فهل تستمر آبل في هذا النجاح أو حتى تقوم ببدء صناعة جديدة كما فعلت مع الآي-فون والآي-باد؟


ما رأيك في تقدم الساعة في مجال الصحة بالذات؟ وهل تعتقد أنها ستحرز المزيد؟

المصادر:

The Verge | Daily Mail | Women’s Health

مقالات ذات صلة