تخيل أنك تقف أمام جمهور كبير، وتريد أن يستمعوا إليك بكل تركيز. هذا ما فعله ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل، فقد كان يمتلك سلاحاً سرياً بسيطاً ليحقق ذلك، وتمكن من تحويل كل عرض تقديمي لمنتجات أبل إلى حدث عالمي يخطف الأنظار، ولم يكن سر منتجاته هو عدد “الجيجا بايت” أو “الميجابيكسل”، أو حتى “سرعة المعالجات”، بل في أسلوبه البسيط والعاطفي في التواصل.
جوبز كان يعرف أن الجمهور غير معني بالأرقام التقنية، بقدر ما يهتم بالإجابة عن سؤال واحد: “ما الذي يعنيه هذا المنتج بالنسبة لي؟” في هذا المقال، سنكتشف كيف استخدم ستيف جوبز هذا المبدأ ليجعل منتجات أبل مثل الآي-فون والآيبود أكثر من مجرد أجهزة، وكيف يمكنك أنت أيضًا تبني هذا الأسلوب في عملك أو حياتك اليومية لتجذب انتباه أي جمهور.

ستيف جوبز جعل الناس يهتمون بمنتجات أبل

لم يكن ستيف جوبز مجرد رجل أعمال؛ بل كان ساحراً في عالم التواصل. في عام 2001، عندما قدم الآي-بود الأول، وهو عبارة عن جهاز محمول للاستماع إلى الصوتيات بسعة تخزين تصل إلى 5 جيجابايت، لم يركز على التفاصيل التقنية المعقدة مثل سرعة المعالج أو “البتات” و”البايتات”، ولم يتحدث بلغة الأرقام المعقدة. بدلاً من ذلك، قال:
“الشيء الأروع في الآي-بود هو أنك تستطيع وضع مكتبتك الصوتية بأكملها في جيبك وسماعها أينما ذهبت… 1000 أغنية في جيبك!”
لماذا نجح هذا؟ لأن جوبز استطاع الإجابة على السؤال الذي يشغل بال الجميع: “ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لي؟ أو لماذا يجب أن أهتم به؟” لقد حول المصطلحات التقنية إلى فوائد ملموسة تسهّل الحياة.
ولم يتوقف عند هذا؛ في عام 2003، عند إطلاق متجر آي-تيونز، لم يشرح تفاصيل تقنية معقدة، بل قال: “يمكنك شراء موسيقاك عبر الإنترنت بسهولة، بشكل قانوني، وبـ99 سنتاً فقط للأغنية الواحدة.” هذا جعل عشاق الموسيقى يشعرون بالراحة، فلم يعودوا يواجهون مشكلات تنزيل الأغاني أو الشعور بالذنب من السرقة.

قبل الآي-بود، كان الناس يحملون أقراصاً مدمجة أو مشغلات كبيرة. غير جوبز ذلك بإجابته على “لماذا يجب أن أهتم؟”، مما جعل منتجات أبل جزءاً أساسياً من حياة الملايين. إذا كنت تقدم منتجاً أو فكرة، ابدأ دائماً بالفائدة التي تعود على الشخص من ورائها وخاطبه بها مباشرة.
الاستعانة بنظرية التفكير السريع: نظام 1 ونظام 2

لنغوص أعمق قليلاً في علم النفس. دانيال كانيمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، شرح أن الدماغ البشري يتخذ قرارات بناءً على نظامين للتفكير.
◉ النظام 1: سريع، تلقائي؛ يقيم الموقف ويتخذ القرارات بسرعة دون تفكير عميق.
◉ أما النظام 2، فهو أكثر منطقية وبطيء، يعتمد على التحليل والتفكير المتأني.
عندما يسمع الجمهور رسالة جديدة، يفعل النظام 1 أولاً: “هل هذا مفيد لي؟” إذا كان الجواب نعم، يستمر في الاستماع؛ إلا فإنه يتجاهل. تماماً مثل ما يحدث معنا عند مشاهدة الفيديوهات او الريلز، من أول ثانية تقرر إذا كان مهماً لك أم لا، فإن كان مهماً شاهدت الفيديو بالكامل دون تقديم أو تسريع. أما إن كان غير مهماً فتتابع الإسكرول “التمرير” هنا الدماغ يحافظ على طاقته، فيبحث عن ما يهم فقط. بعد ذلك، إن كان الشيء مهماً، يتدخل النظام 2 فتقوم بالتحليل والتفكير.

جوبز كان يعرف ذلك جيداً. بدلاً من البدء بالبيانات التقنية (التي تحتاج إلى النظام 2)، كان يجذب النظام 1 بالفائدة المباشرة. مثلاً، في تقديم الآي-فون الأول عام 2007، قال:
“جهاز يجمع بين هاتف ومشغل موسيقي وإنترنت في جهاز واحد.”
هذا جعل الجمهور يفكر: “نعم، هذا يحسن حياتي!” إذا كنت تريد جذب انتباه الجمهور، ركز على النظام 1 أولاً. قدم الفائدة في الثواني الأولى، ثم دعمها بالحقائق.
أهمية التواصل المركز على الجمهور

التواصل الناجح يركز على الجمهور، وليس على المتحدث. إذا أجبرتهم على التفكير كثيرًا لفهم أهمية كلامك، سيفقدون الاهتمام. ابدأ بتوضيح الفائدة لهم، ثم انتقل إلى التفاصيل.
خذ مثالاً من تجربة شخصية لكاتب معروف: في مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، بدأ المتحدث بقوله: “أنا لست هنا لأخبركم كيف تؤدون عملكم.” ثم أضاف فوراً: “أنا هنا اليوم لأساعدكم على تطوير عملكم، من خلال تزويدكم بأدوات وأساليب عملية واضحة، ستساعدكم على تنمية أهم مهارة قيادية يمكنكم اكتسابها في الوقت الحاضر.” وهذا أجاب على “لماذا يجب أن أهتم؟” في أقل من 30 ثانية، مما جعل الجمهور ينتبه.
لا تبدأ بتاريخك المهني أو إنجازاتك؛ هذه تدعم أفكارك لاحقاً، لكنها لا تمر من “النظام 1”. جرب هذا في اجتماع عمل أو عرض تقديمي: ابدأ بالقيمة التي تقدمها، وستلاحظ الفرق في التفاعل.
نصائح عملية لتطبيق أسلوب جوبز في التواصل اليومي

لنجعل الأمر أكثر عملية، إليك بعض النصائح المباشرة لجذب انتباه الجمهور باستخدام سؤال جوبز:
◉ ابدأ بالفائدة المباشرة للجمهور، وأخبرهم كيف سيؤثر ما تقدمه على حياتهم بشكل ملموس. في أي عرض، اسأل نفسك: “ما الذي يحل هذا المشكلة في حياة الجمهور؟” ثم قلها أولاً.
◉ تجنب الغوص في التفاصيل التقنية في البداية. أعطِ الجمهور سببًا للاهتمام أولًا. استخدم أمثلة بسيطة مثل جوبز، ترجم المصطلحات التقنية إلى قصص يومية. إذا كنت تبيع تطبيقاً، قل: “قم بتوفير ساعة يومياً من وقتك الضائع.”
◉ استخدم أمثلة بسيطة وقصص قصيرة. الناس يتذكرون القصص أكثر من الأرقام.
◉ اختبر في الثواني الأولى وقم بتجربة عرضك على صديق، وراقب إذا جذب انتباهه على الفور.
◉ تجنب الإفراط في التفاصيل ودع الحقائق تأتي بعد الفائدة، لتدعمها لا لتغلب عليها.
هذه النصائح ليست نظرية فقط؛ شركات مثل أبل لا تزال تستخدمها في إطلاقاتها للمنتجات الجديدة، مثل الآي-فون 15 الذي ركز على “كاميرا احترافية في جيبك“.
اجعل التواصل أداة قوية في يدك
في النهاية، سر ستيف جوبز في جذب انتباه الجمهور يكمن في إجابته على السؤال الأبدي: “لماذا يجب أن أهتم؟” سواء كنت تقدم منتجاً أو فكرة بسيطة، ركز على الفائدة الشخصية لتفعل النظام 1 في الدماغ وتحافظ على التركيز. بهذا، ستحول تواصلك إلى أداة تجعل الناس يستمعون ويتفاعلون.
المصدر:



8 تعليق