شهدت شركة آبل مؤخرًا موجة من الاستقالات وهجرة الكفاءات، وهي ظاهرة بدأت تثير القلق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعقول المدبرة وراء أبرز ابتكاراتها في التصميم. ورغم أن المنافسة بين عمالقة التكنولوجيا أمر طبيعي، إلا أن هذا النزوح الأخير يشير إلى تحول أعمق قد يهدد الريادة الإبداعية التي طالما عرف بها صانع الآي-فون. خلال السطور التالية، سوف نستكشف السبب الحقيقي وراء هجرة كبار مصممي آبل؟ وهل تغير الإلهام الذي كانت تشتهر به آبل ولماذا أصبحت شركات مثل ميتا و OpenAI، أكثر جاذبية للمصممين الطموحين؟

أزمة في آبل

بعد رحيل جوني آيف العقل المدبر وراء التصميم الثوري لمعظم منتجات آبل على مدى عقود، لم تتوقف موجة الاستقالات البارزة. فبعد فترة، لحق به أبيدور شودري مصمم آي-فون Air ليغادر الشركة متجها نحو عالم الذكاء الاصطناعي. ومع أن رحيل الكفاءات أمر وارد، فإن هذه الاستقالات المتتالية في قلب الفريق الإبداعي بدأت تشير إلى تحول عميق. والآن، أكد مارك زوكربيرج بنفسه انضمام آلان داي رئيس تصميم واجهة المستخدم والعقل الإبداعي خلف واجهة نظارة Vision Pro و Liquid Glass للانضمام إلى قسم Reality Labs التابع لشركة ميتا من أجل قيادة استوديو إبداعي جديد.
ماذا يحدث داخل صانع الآي-فون؟

ما يبدو للوهلة الأولى حركة طبيعية في سوق العمل بدأ يتحول إلى إشارة حمراء داخل واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم. فالمغادرون هذه المرة ليسوا موظفين عاديين، بل العقول التي وقفت وراء أكثر رهانات آبل جرأة، من تصميم آي-فون Air فائق النحافة الذي أشعل الجدل إلى واجهة الزجاج السائل التي حاولت إعادة تعريف لغة تفاعل المستخدم.
ولهذا، الرحيل المتسارع لهؤلاء المصممين يوحي بأن هناك اضطرابًا أعمق مما يظهر للعلن. فقد يكون السبب غياب الثقة الداخلية في بعض التوجهات التصميمية الحديثة. أو ربما تضييق المساحة التي كانت متاحة للمصممين لتجربة أفكار غير تقليدية. كذلك، يلاحظ كثيرون أن آبل لم تعد تمتلك تلك الرؤية التصميمية الموحدة التي صاغها جوني آيف لسنوات، وهو ما خلق فجوة يصعب ملؤها. وفي المقابل، يزداد بريق المنافسين خصوصًا شركات مثل ميتا التي تعمل على الذكاء الاصطناعي والواقع المختلط، الأمر الذي جعلها أكثر جاذبية للمواهب التي تبحث عن آفاق جديدة.
هل تخسر آبل وهجها الإبداعي؟

تتزايد الأصوات التي تشير إلى أن آبل بدأت تفقد وهجها الإبداعي الذي كان يميزها، سواء في إعلاناتها أو منتجاتها. لا تزال الشركة تتخذ خيارات جريئة، لكن يبدو أنها لا تظهر الاقتناع أو الإصرار الثابت على هذه الخيارات، مما قد يؤدي إلى شعور الجمهور والموظفين بأن دفة الابتكار قد بدأت تميل نحو منافسين يركزون بقوة أكبر على قطاعات المستقبل. يبدو أن هؤلاء المصممين يرون أن التحدي الحقيقي والمساحة الأكبر للإبداع تقع الآن خارج أسوار كوبرتينو.
أخيرا، رحيل الأسماء الثقيلة لا يمكن اعتباره مجرد حركة طبيعية في سوق المواهب، بل قد يكون مؤشرًا على أن آبل تقف على عتبة تحول عميق في هويتها الإبداعية. صحيح أن تأثيره قد يكون مؤلمًا على المدى القريب، خاصة مع غياب تلك البصمة التصميمية الواضحة التي كانت تُميز منتجات الشركة. لكن مثل هذه الهزات قد تفتح الباب أمام موجة جديدة من التفكير الجريء أو قيادة تصميمية مختلفة تمامًا عن الحقبة السابقة. وفي الجهة المقابلة، تبدو ميتا وكأنها في مهمة واضحة، جمع أكبر قدر من العقول المبدعة استعدادًا للسباق القادم نحو الواجهات الذكية والأنظمة المتقدمة والواقع الإفتراضي والمعزز. نجاحها في استقطاب مصممين من قلب آبل يلمّح إلى تغيير في موازين القوى داخل الصناعة.
المؤكد الآن أن الأعين كلها تتجه نحو آبل. الشركة التي اعتادت أن تقود موجات الإبداع أصبحت اليوم مطالبة بالإجابة عن سؤال مصيري، هل يمكنها أن تستعيد روحها التصميمية التي صنعت مجدها، أم أن خروج هذه المواهب ليس سوى أول فصل في مرحلة جديدة قد تعيد رسم مستقبل الشركة بالكامل؟ هذا ما سنعرفه خلال السنوات القليلة القادمة وتحديدا عندما يغادر تيم كوك الشركة ويتم إزاحة الستار عن الخليفة المنتظر لقيادة آبل.
المصدر:



2 تعليق