قبل أشهر قليلة لم يكن أحد يتوقع ما يحدث الآن في العالم؛ نعم كان هناك حديث عن بوادر أزمة اقتصادية بسبب الصراع الأمريكي الصيني لكن جاء كورونا ليقدم للعالم الضربة القاضية؛ أسوء أزمة اقتصادية مرت على العالم منذ الكساد الكبير قبل قرن من الزمن تقريباً. الخبراء الآن يقولون أن عالم ما بعد الكورونا سيكون مختلف عن عالم قبل الكورونا؛ وفي هذا المقال سوف نستعرض تأثير واحد فقط؛ ونكرر واحد فقط مما قد يفعله كورونا في خطط الشركات التقنية ومستقبل الهواتف الذكية.

هل ستضرب الكورونا خطط الشركات التقنية ومستقبل الهواتف الذكية؟


توضيح هام

قبل أن نبدأ لابد أن نوضح نقاط هامة وهى:

1

هذا المقال تحليلي ومبني على التوقعات للأزمة التي تسببت فيها الكورونا؛ نحن نحلل المعطيات الحالية ونتوقع ماذا سوف يحدث؛ وهذا لا يعني أن ما يقال لابد أن يحدث؛ فلا أحد يعلم الغيب إلا الله. وربما (وإن كان هذا مستبعد) يظهر علاج لـ الكورونا ويبدأ العالم في التعافي مبكراً.

2

خطط 2020 والهواتف القادمة فيها يعتبر أمر شبه محسوم من الشركات؛ تم إنفاق المليارات وتم تجهيز خطوط الإنتاج وصناعة أجزاء الهواتف؛ لذا فنحن نتحدث عن الخطط المستقبلية وليس ما دخل طور التنفيذ.


المعضلة الاقتصادية

الكورونا والوظائف

هناك قاعدة يعلمها كل تاجر وهى أنه عندما يكون السوق جيد يربح الجميع تقريباً؛ فعندما يكون هناك أموال كثيرة مع المشترين ففرص بيعك أي شيء سيكون أسهل بكثير. لكن عندما يكون السوق سيء وضعيف ويقل عدد من يملك المال. فهنا أصبحت “كعكة السوق” صغيرة والصراع سيكون صعب للغاية ولن ينجو سوى الأكثر مهارة واحترافاً. وهنا تأتي المشكلة الحالية.

الكورونا تسببت في أزمة اقتصادية أدت إلى فقدان أكثر من 30 مليون أمريكي وظائفهم خلال شهري مارس وأبريل ومنظمة العمل الدولية قالت أن هناك 195 مليون شخص حول العالم سيفقدون وظائفهم منهم 5 مليون في الوطن العربي؛ ونذكركم بأن هذا التوقع كان قبل بداية أبريل والوضع الآن أسوء فهناك تغيرات أخرى حدثت مثل انهيار البترول مثلاً. والتوقعات وصلت إلى 305 مليون والخبراء يقولون أننا في الأزمة الأسوء خلال ما يقارب القرن ومنذ نهاية الكساد الكبير.


ما الداعي للتغيير؟

هل هناك فارق تقني ضخم بين الآي فون Xs والآي فون 11 برو؟ ماذا عن S10 و S20؟ بالطبع ليس النقاش من الأفضل فبالتأكيد 11 برو أفضل من Xs لكنني أسأل هل هناك فارق ضخم؟ الإجابة هى لا لكننا نرى عشرات الملايين يقومون بالترقية لسبب بسيط وهو “لماذا لا أرقي؟!”. الهاتف سعره 1000$ لكن هذا المبلغ ليس كبيراً لأكثر من 100 مليون شخص حول العالم سنوياً يدفعونه في الفئة الأعلى من أبل. لكن في وضع الأزمات الاقتصادية الوضع يختلف كلياً.

عندما يكون وضعك المالي جيد فتلقائياً تفكر في السؤال السابق “لماذا لا أرقي؟!” سيارتي تعمل بشكل جيد لكنني أريد الأفضل؛ هاتفي أيضاً والحاسب الشخصي. لكن إذا أصبحت بدون عمل هل ستفكر في الترقية؟ أو حتى هناك خوف على مستقبلك الوظيفي أو المادي؟ هنا سوف تفكر جيداً قبل الترقية وتعيد حساباتك وتسأل “هل الترقية تستحق المخاطرة بدفع مبلغ مالي!” في وقت الأزمات يقرر الكثيرون “سوف أؤجل دفع أي مبلغ مالي إلا فيما يستحق فعلاً” وهنا المشكلة.


القرار الصعب؛ القيمة مقابل السعر

الأشخاص حول العالم لن يقرروا الحياة بدون هواتف وحواسب وسيارات وكل شيء؛ الأزمة سوف تدفعهم للتفكير في “القيمة مقابل السعر”. لذا فالشركات الآن أمام خيارين كلاهما صعب؛ لابد من العمل على هذه المعادلة:

القيمة: الحل الأول هو وضع مزايا وفروقات حقيقية تجعلك تقبل بالفعل على الشراء وتشعر بأنك سوف تجد فارق واضح بين هاتفك الحالي والجديد.

السعر: الخيار الثاني وفيه تلعب الشركات على السعر؛ عميل الآي فون ذو الألف دولار لن يستطيع دفع المبلغ الخاص به؟ حسناً سوف نوفر له الآي فون 12 و 12 ماكس بشاشة OLED بسعر 700/800 دولار… في السابق كان الحديث عن آي-فون بشاشة OLED يعني دفع مبلغ +1000$ لكن الآن كل الأخبار تتحدث أن شاشات OLED ستصل للهواتف 700$ في أبل. أما إن كنت مادياً أكثر تأثراً فتم تحديث الآي فون SE 2 من أجلك.


هل أبل المتضرر الأكبر؟

أبل هي الشركة رقم 3 في عدد مبيعات الهواتف الذكية لكنها في نفس الوقت رقم 1 من حيث قيمة المبيعات وكذلك تحصد 66% تقريباً من أرباح السوق وذلك لأن هواتفها هى الأغلى بفارق ضخم. لذا عندما تحدث مشكلة ما تضرب الاقتصاد وأموال المستخدمين فهنا الضرر الأكبر سيكون على شركة أبل لأنها من الأساس تستهدف شريحة 15% من المستخدمين الأكثر ثراءاً عالمياً وتسيطر على ثلاث أرباع هذه الشريحة. ماذا سيحدث إن قل عدد الأشخاص في هذه الفئة؟ لو فرضنا أن الشريحة التي كانت أبل تستهدفها عددهم في العالم 350 مليون وأبل تصل إلى 250 مليون منهم بمختلف أجهزتها … لكن ماذا إن تسبب أزمة الكورونا في أن تصبح الشريحة 250 مليون مثلاً؟ تلقائياً حصة أبل سوف تقل لـ 175 مليون عميل. (أرقام توضيحية وليس رسمية).

الكورونا وأبل

لا يعني هذا أن الشركات الأخرى لن تتأثر فبالرغم من أنهم يوفرون أجهزة لمختلف الفئات لكن الأزمات المالية عادة تطحن الفقراء أكثر من الأثرياء. فالشخص الثري للغاية سوف يصبح ثري فقط؛ والثري سوف يصبح متوسط. كلاهما يمكنه مواصلة شراء هاتف بشكل أو بآخر لكن ماذا عن الشخص المتوسط أو الفقير؟ سوف يصبح منعدم مادياً ولن يستطيع شراء أي شيء.

الجميع سوف يتأثر لكن أبل نتوقع أن تكون المتضرر الأكبر من ناحية قيمة المبيعات؛ فلو فرضنا الآن أنها تبيع 200 مليون آي-فون وأن هواتف 11 و Xr والهواتف الأقدم تمثل 130 مليون وهاتفي 11 و 11 برو يمثلون 70 مليون… فقد نجد أنها بعد عام هواتف “فوق الألف دولار” أصبحت حصتها أقل من 25% من إجمالي المبيعات. أي سيحدث إنخفاض في العدد الكلي وانخفاض في تركيبه المبيعات نفسها. نحتاج أن ننتظر معاً نتائج الربع المالي الثالث (تعلن غالباً 30 يوليو) والرابع (تعلن 30 أكتوبر) وسوف نتذكر سوياً هذا الحديث عند رؤية قيمة المبيعات.

اذكركم فقط بنقطة وهى أن أبل لأول مرة قررت في إعلان نتائج الربع الأخير أن تقول للمستثمرين أنه لا يوجد توقعات للربع القادم (أبريل-يونيو). دائماً كانت أبل تنشر التوقعات للربع القادم لكنها هذه المرة صمتت ولم تذكر أي توقع. باختصار هى لا تعلم.


كيف تنجو الشركات التقنية؟

هناك عدة طرق للنجاه من الأزمة الحالية ومنها على سبيل المثال

1

القيمة مقابل السعر وهى النقطة التي ذكرناها في أعلى؛ الشركات سوف تسعى لأن توفر لك أفضل قيمة مقابل ما تدفعه سواء بإضافة مزايا حقيقية أو بتوفير نسخ أرخص من هواتفها.

2

التسعير المحلي: هذه النقطة سوف تفيد أبل وسبق ووعدت بها لكنها فشلت في تحقيق وعدها؛ جميع الشركات حول العالم تغير سعر هاتفها طبقاً للسوق. فمثلاً هاتف مثل SE 2 سعره في أمريكا 400$ وسعر هاتف سامسونج A71 هو 375$ أي تقريباً نفس السعر. في الإمارات ستجد أن سعر الآي فون 1700 درهم وسعر هاتف سامسونج 1300 درهم. هل رأيت الفارق؟ انظر أيضاً لسعر الآي فون 11 برو ماكس سعره في أمريكا 1100$ وسعر سامسونج S20 ألترا هو 1200$ أي سامسونج أغلى؛ ستجد في الإمارات سعر السامسونج 4000 درهم وسعر الآي فون 11 برو ماكس 4600 درهم. جميع الشركات تعيد تسعير هواتفها بما يتناسب مع السوق المحلي عدا أبل تضع سعراً في السوق الأمريكي ثم تضع آخر عالمي يفوقه بغض النظر كان سعر مناسب للسوق المحلي أم لا. في السابق هذه الطريقة مثالية لجذب محبي اقتناء الأغلى والتميز لكن مستقبلاً سيصبح عددهم أقل بكثير وهناك أسواق مثل الهند والصين ستتراجع فيها أبل مما دفعها لمواصلة طرح هواتف قديمة من الآي فون 7 في السوق الهندي. فأبل لا تريد تخفيض السعر وتضع لك البديل وهو اشتري هاتف قديم لأنك لا تملك المال لشراء الأحدث وأنا لن أعيد تسعير أجهزتي.

3

برامج الاستبدال: توفر أبل في السوق الأمريكي برنامج تشترك فيه حيث تدفع شهرياً 35$ لاقتناء فئة الآي فون 11 أو 50$ لاقتناء فئة 11 برو وتدفع هذا المبلغ شهرياً بشكل دائم وفي كل عام تذهب إلى أبل وتعطيهم هاتفك القديم ويمنحوك الجديد من نفس الفئة. الطريقة جيدة وربما على أبل التوسع العالمي فيها.

4

هواتف متوسطة رائعة: بما أن عدد من يمكنهم دفع 700 دولار وأكثر أصبح قليل؛ فالحل هو الصراع في فئة الهواتف المتوسطة 300-500$ وبهذا يتم استقطاب من لم يعد بمقدرته دفع 700-1000$ في هاتف.


معضلة التكاليف

معنى أن عليك تقديم تقنية أفضل هو أن تنفق أكثر لتطويرها؛ وعندما تنفق أكثر ولديك عملاء أقل فهذا يعني انهيار في الأرباح. الأمر نفسه عندما تعيد التسعير أو تقلل السعر فهذا يعني العائدات أقل. عندما ننظر لتقرير CounterPoint المنشور في ديسمبر 2019 ستجد أنه يقول أن 66% من أرباح قطاع الهواتف يذهب إلى أبل؛ يليها سامسونج بـ 17% ويتقاسم بقيمة الشركات “هواوي وأوبو وفيفو ووان بلس وشاومي ولينوفو” الـ 17% المتبقية.

أي أن الشركات تقريباً لا تكسب لذا فعندما تريد تقديم أفضل فهنا أصبح لديها معضلة؛ لا يوجد أرباح فما الحل؟ الحل سيكون تقديم الأفضل مع زيادة السعر؛ رأينا هذا في هاتف وان بلس 8 برو الذي وصل إلى 900$ والأمر نفسه حدث مع شاومي في Mi 10 ؛ الشركات لكي تقدم الأفضل اضطرت إلى رفع السعر لمستويات أبل وسامسونج. في حين أن الحديث الآن أن أبل سوف تصدر الآي فون 12 بنفس سعر الآي فون 11 وتنقل الشاشة إلى OLED مع تحديثات كثيرة والسر هو أن أبل تملك هامش ربح مرتفع سوف يمكنها من هذا الأمر. سامسونج أيضاً لا يتوقع أن نشهد زيادة في سعر Note 20 عن سابقه.

ويبقى أن نتذكر أن الكورونا أجبرت الشركات على إجراءات صحية تكلف المزيد. أي أن التكلفة الطبيعية زادت.


كلمة أخيرة

الشركات سوف تقاتل بشتى الطرق للوصول للمستخدمين؛ فكلما اشتدت الأزمة سوف يقل راغبي الشراء وكل شركة سوف تسعى للحصول على هذا المستخدم لها؛ سيتم إضافة مزايا جديدة مبهرة بواسطة بعض الشركات لكن هذا سيكون على حساب السعر؛ في حين ستركز شركات أخرى على الفئة المتوسطة وتقدم هواتف رائعة فيها؛ وهناك من سيركز على السعر بحيث ترى عروض مغرية. بقى فقط أن تنتظر وترى ماذا سوف يحدث في الأسواق وتذكر أن ما يعلن عنه الآن هو هواتف بالفعل تم تطويرها قبل الأزمة؛ شهور قليلة وسنرى التغيرات الجذرية بالأسواق.

وقت التغيير حان في زمن الكورونا

وتذكر أنه ربما لا يحدث أي مما سبق؛ أو قد نراه من جميع الشركات إلا أبل التي قد تواصل سياسة أجهزتنا لمن يملك سعرها وهى بالمناسبة سياسة سليمة نظرياً وناجحة “بيع التميز” وخاصة أن أبل تعتمد على قطاع الخدمات لتعويض تراجع مبيعات الأجهزة كما حدث الربع الماضي حيث تراجعت الأجهزة وغطى التراجع تحسن الخدمات.

هل تتوقع أن الكورونا والأزمة الاقتصادية سوف تغير مستقبل الهواتف والتكنولوجيا؟ أم أننا نحلم والشركات وخاصة أبل لن تختلف سياساتها؟ شاركنا رأيك في التعليقات

المصادر:

ILO | counterpoint | ِApple

مقالات ذات صلة