تعتبر الخصوصية في عالم التكنولوجيا محور سجال لا ينتهي. ومحل حوار دائم ليس فقط بين الأفراد بل بين شركات متنوعة وحكومات. فأحياناً تريد الحكومات كشف المعلومات الشخصية للمستخدمين لأسباب تتعلق بها، وأحياناً أخرى تنتقد الحكومات الشركات لعدم إخفاء ما يكفي من بيانات المستخدمين أو لجمعها. ولربما لمعت أسماء شركات عديدة في خضم هذا الحوار أبرزها بالطبع فيس بوك وجوجل وأبل. وربما سمعت عن انتقادات فيس بوك لأبل بعد إصدار iOS 14 بسبب تغييراتها المتعلقة بالخصوصية. ترى ما الموضوع؟ وما سر هذه الممارسات؟


كيف منعت فيس بوك صدور إحدى مزايا iOS 14؟

فيس بوك، جوجل، أبل، ومعركة الإعلانات والخوصية

انتقدت فيس بوك العديد من تغييرات الخصوصية التي تجريها أبل. لكن الخلاف الحقيقي يقع في ميزة محورية. هل تعرف أن فيس بوك يستطيع تتبع نشاطك عبر عدة تطبيقات؟ والهدف من هذا معرفة اهتماماتك للإعلان. فمثلاً تقوم أنت بتنزيل تطبيق “ماكس” للملابس وتستخدمه. ثم تقوم بفتح فيس بوك لتجد إعلانات ملابس متنوعة من ماكس على الحائط الخاص بك. تتيح أبل حالياً غلق الميزة من إعدادات الخصوصية. لكن إعدادات مثل هذه قليلاً ما يعرفها المستخدمون أو يهتمون بالبحث عنها. لذا قامت الشركة بعمل تغيير في iOS 14 ليصبح هذا ممنوعاً بشكل افتراضي. وعلى فيس بوك أو أي تطبيق آخر طلب الإذن حال أراد فعله. وهنا في الغالب لا يقبل المستخدمون إشعاراً يقول “هل تسمح لنا بتتبع نشاطك في تطبيقات أخرى؟”. فلم يرض مارك زوكيربيرج بهذا طبعاً وقام بشن حملة على أبل للتخلص من الميزة الجديدة. وقد قام بلعب بطاقة ماكرة حيث أنه في البداية تحدث عن خسارة جزء كبير من أرباح الإعلان ثم خرج بتصريحات فحواها أن الشركة نفسها تستطيع النجاة لكن من سيتضرر بشكل أكبر هو الشركات الصغيرة التي توفر عملها من خلال فيس بوك.

وغالباً تحت ضغط وجود أزمة صحية عالمية وإغلاق الأسواق اضطرت أبل لتأجيل الميزة. وقالت أنها قادمة “في بدايات السنة القادمة”.


أنتهك خصوصيتك أو أخسر المال. لماذا أنت شرير؟

هذا ما كانت تقوله فيس بوك في قلب حديثها خلال هذه المعركة. فهي قد بنت نظام عملها على تتبع المستخدمين دون الحصول على موافقتهم أولاً حتى. وحين تأتي شركة مثل أبل، ليست تعمل بالمجان لأجل الخير. لكن يتصادف أن الخصوصية إحدى السلع التي تبيعها لمستخدميها بأسعار باهظة، لتضع ميزة تسمح للمستخدم برفض تتبع نشاطه تقيم فيس بوك الدنيا ولا تقعدها. بل تتحدث كأن الحق كله في جانبها ونحن المستخدمون الظالمون نريد السؤال قبل تتبع بياناتنا.


فيس بوك ليست نصير الخير كما تدعي

تدعي فيس بوك نقطتين ضد أبل:

◉ أن أبل تقوم بأخذ قرارات متسرعة دون التفكير في الشركات الأصغر المتضررة، ولا تقصد فيس بوك نفسها بل تقصد شركات المنتجات الصغيرة. لكن ماذا عن فيس بوك نفسها؟ فقد حاولت منذ عدة سنوات الدخول لعالم الفيديو بقوة لمواجهة يوتيوب. بل أنها أصدرت لوائح وبيانات تقول أن المقالات المقروءة قد انتهى وقتها وحان وقت الفيديو. وقد كلف هذا التغيير الناشرين الذين يريدون الحفاظ على محتواهم على فيس بوك الكثير من المال للحصول على معدات فيديو وتعيين مختصين وتدريب الصحفيين على الفيديو. ثم اتضح بعدها أن كل هذا كان بلا جدوى وأن المستخدمين لم يتركوا القراءة واضطر كثير من الناشرين للإغلاق تماماً بسبب الخسائر.

◉ أن أبل “تحتكر” منتجاتها الخاصة. أي أنها تنتج أجهزة iOS ولا تسمح بأي منافسة عليها وتفضل برامجها الخاصة للمستخدمين. وهذا يعتبر احتكاراً للأجهزة. لكن إن كنت تذكر، فقد حاولت فيس بوك بالفعل إصدار هاتفها الذكي الخاص. وكان كل شيء فيه تقريباً إما يتم عبر فيس بوك أو يمر على إحدى خدمات فيس بوك. ولكنه فشل فشلاً ذريعاً. إذاً فهو نظام عمل سيء لأن فيس بوك لم تنجح به؟


فيس بوك وجوجل على خطأ

ترجع أصول كل هذا إلى تطوير جوجل وفيس بوك لأنظمة إعلاناتها خلال العشر سنين الماضية. فقد وجدت هذه الشركات أنها تمتلك الكثير من المعلومات عن المستخدمين. وأنها يمكنها استغلالها لعمل إعلانات أكثر إدراراً للربح ثم الاحتفاظ بالجزء الأعظم من الربح مع إعطاء المواقع المعلن لديها بعض الفتات. ومع تطور هذه التقنيات استطاعت هذه الشركات إقناع الجميع بأن الطريقة الوحيدة لتوفير منتجاتهم وتحقيق أرباح هو انتهاك خصوصيات المستخدم بشكل صارخ. ولكن هذا خاطئ. فهناك العديد من الطرق لتحقيق الربح من خلال الإعلانات. كما يمكنك حتى سؤال المستخدم عن نوعيات الإعلانات التي يريد من وقت لآخر. هناك العديد من أنظمة العمل التي يمكن استخدامها.


أندرويد؟

أنا أعتبر أندرويد من أكثر المنتجات المفاجئة في عالم التكنولوجيا. فجوجل شركة تحقق ربحها من متصفحها وخدماته وبيع الإعلانات. وقد كانت هذه سياستها طويلاً قبل اختراع أندرويد وحتى الآن. فلماذا قامت جوجل تحديداً بتطوير أندرويد؟ ولماذا قامت بعمله كنظام مفتوح المصدر مجاني الاستخدام بعد الإنفاق على تطويره وعمل الأبحاث وصيانته؟ شخصياً أعتبر أن أكبر فائدة لأندرويد بالنسبة لجوجل كانت نظاماً مفتوحاً مضمون التبني الواسع لأنه مجاني الترخيص. وفي نفس الوقت تقوم هي هي بإصدار تحديثات الأمان والخصوصية. لذا من المستحيل أن ترى أي خطوات لزيادة الخصوصية فيما يتعلق بتتبع المعلنين على هواتف أندرويد. وبهذا قامت جوجل بعمل بيئة مثالية لنفسها تستطيع العمل عليها. وللتوضيح لا نقصد هنا أن جوجل تعرض أمان المستخدم للخطر؛ لكننا نقصد تتبع الإعلانات والدعايا؛ أما الأمان وحماية صورك وملفاتك من السرقة فطبعاً جوجل تعمل على حمايتها. لكن بالطبع لن تمنع نفسها من معرفتك أكثر وبالتالي استهدافك بالدعايا.


في النهاية

ربما عملت هذه الشركات لفرض نظام الأمر الواقع. فقد استغلت غياب القوانين أو الأعراف في صناعة التكنولوجيا والإعلانات لأنها بدأت العمل عندما كانت الصناعة جديدة تماماً على السوق. ثم بعد أن تنبهنا يريدون إخبارنا أن هكذا هي الحياة وعلينا التعايش معها. ولكن هذا لا يجب أن يكون نظام عمل هذه الشركات. وعليهم بالفعل إنفاق المزيد من المال في تطوير نظام عمل جديد أفضل. وحتى يقوموا بعمل ذلك، أنا سعيد أن الخصوصية هي إحدى السلع التي تبيعها أبل. وأنا لهذه السلعة مشتر.


هل تنتصر القوة الإعلانية؟ أم ينتشر التشديد على الخصوصية؟ شاركنا برأيك

مقالات ذات صلة