أصدرت آبل هاتف آي-فون 17 برو الشهر الماضي، وفي غضون أيام منذ بدء البيع رسمياً بدأت تظهر صور للهاتف على الإنترنت من قبل العملاء تُظهر خدوشًا، وعلامات، وخدوشًا عميقة على الجهاز. وقد سارعت وسائل الإعلام لتسمية هذه المشكلة بـ (فضيحة الخدش) أو (Scratchgate).

لقد أصبح الأمر منتشرًا لدرجة أن آبل اضطرت إلى معالجته علنًا بعد 5 أيام فقط من طرح هاتف 17 برو للبيع. ذكرت الشركة أن الألومنيوم المستخدم في هاتفي 17 برو و 17 برو ماكس متين تمامًا مثل الألومنيوم المستخدم في منتجات أخرى، ومع ذلك، قد تظهر عليه علامات تآكل صغيرة مع الاستخدام العادي بمرور الوقت. ولكن ما حدث خلال الأسبوع الماضي كان أبعد ما يكون عن المألوف. في الواقع، لا يمكننا تذكر سوى طراز واحد آخر من آي-فون أظهر هذا النوع من التلف فور إصداره، وكان ذلك هو آي-فون 5.

العودة إلى “فضيحة جرح الآي-فون” (Scuffgate) مع آي-فون 5

صدر هاتف آي-فون 5 في 21 سبتمبر 2012. ومثلما حدث مع 17 برو، بدأ الناس سريعًا في نشر صور للمنتج تُظهر خدوشًا، وعلامات تآكل، مما تسبب في انتشار مصطلح “جرح جيت” (Scuffgate) على وسائل التواصل الاجتماعي.

حتى أن أحد المستخدمين أرسل بريدًا إلكترونيًا إلى فيل شيلر، نائب رئيس آبل للتسويق العالمي آنذاك. كتب المستخدم: “أحب هاتف آي-فون 5 الأسود والرمادي الداكن الخاص بي، لكني لاحظت بعض الخدوش وعلامات التآكل في الشريط المحيط بالهاتف، والكثيرون غيري يواجهون نفس المشكلة. ما الذي يجب علينا جميعًا فعله؟ هل هناك أي خطط لإصلاح هذا؟”

رد شيلر بالقول: “أي منتج مصنوع من الألومنيوم قد يتعرض للخدش أو التشققات مع الاستخدام، مما يكشف عن لونه الفضي الطبيعي. هذا أمر طبيعي.” هذا البيان الذي صدر قبل 13 عامًا يبدو مشابهًا بشكل مخيف للبيان الذي سمعناه من آبل مؤخرًا.

فهل صحيح أن الجميع يبالغون في رد فعلهم على شيء يجب اعتباره طبيعيًا؟ الإجابة هي لا، لأن هذه المشكلة لم تحدث سوى مرتين فقط في تاريخ آي-فون الممتد لثمانية عشر عامًا: في عام 2012 مع آي-فون 5 واليوم مع آي-فون 17 برو. إذا كان الأمر “طبيعيًا إحصائيًا”، لكان هذا النوع من مشكلات المتانة قد أثر على ما بين 51 إلى 100% من جميع طرازات آي-فون. لكنه لم يفعل؛ لقد أثر فقط على 5.9%، أي طرازين من أصل 34 طرازًا. هذا ما يمكن وصفه بـ “غير طبيعي“.
الألومنيوم وقيود التصميم الهشة
دعونا نتعمق أكثر، لأن هناك صفات فريدة في كل من آي-فون 5 و آي-فون 17 برو تجعلهما أقل متانة. أولها هو تصميمهما المصنوع من الألومنيوم، ولهذا السبب أصبح استخدام حافظة واقية شديدة التحمل أمرًا بالغ الأهمية مع هذه الهواتف الجديدة.

يُستخدم الألومنيوم بشكل شائع في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية لأنه خفيف، ورخيص، وسهل التصنيع، وسهل الصباغة بألوان زاهية. لكن له عيوبًا: إنه ناعم وضعيف. ولهذا السبب تقوم شركات مثل آبل بمعالجة الألومنيوم بتقنية الأكسدة (anodize)، مما يخلق طبقة خارجية صلبة تحمي من الخدوش الخفيفة.
لكن هذه الطبقة لا يزيد سمكها عن 15 ميكرونًا فقط، أو عُشر سمك شعرة الإنسان، مما يجعل الألومنيوم عرضة للثقوب، والتشققات، والخدوش العميقة. إذا أضافت آبل لونًا إلى الألومنيوم، يتم تطبيق الصبغة فوق طبقة الأكسدة. هذا يعني أن الخدش قد يخترق الطلاء ولكنه لا يخترق الألومنيوم. عندما يحدث هذا، تبقى لديك علامة رمادية فاتحة تبرز بشكل لافت للنظر على خلفية اللون الداكن.

كان لدى آي-فون 5 لون ألومنيوم داكن جدًا أطلقت عليه آبل اسم (slate). وحتى عندما تظهر فيه نقطة صغيرة جدًا من الخدش، فإن التباين العالي يحولها إلى منظر مزعج.

كما أن هاتف آي-فون 5 كان يحتوي على حواف مشطوفة مصقولة بالماس (diamond chamfered edges). تم إنشاء هذه الحواف باستخدام عملية تشغيل أزالت طبقة الأكسدة، مما أعطى الألومنيوم مظهرًا ناعمًا وعاكسًا، ولكنه تركه أيضًا ناعمًا وضعيفًا وعرضة للتلف. كانت الحواف هشة لدرجة أن بعض العملاء اكتشفوا أن هواتفهم كانت مخدوشة بالفعل بمجرد إخراجها من الصندوق.

على الرغم من قول شيلر إن الخدش أو التشققات مع الاستخدام أمر طبيعي، فقد ثبت أن آي-فون 5 كان أكثر هشاشة من المعتاد، نتيجة لقرارات التصميم التي اتخذتها آبل بنفسها. وهي قرارات تم عكسها في الطرازات اللاحقة. لم يعد طراز 5S يأتي بلون “سليت” الداكن. بدلاً من ذلك، ابتكرت آبل لون “الرمادي الفلكي” (space gray)، وهو ظل أقرب إلى الفضي منه إلى الرمادي الداكن أو الأسود. وبهذه الطريقة، عندما يتضرر الهاتف حتمًا، يكون التباين بين الألومنيوم الخام واللون الرمادي الفلكي أقل بكثير وأقل وضوحًا. بعد ذلك، لم يكن لدى آي-فون SE، الذي استعار تصميم آي-فون 5، حواف مشطوفة مصقولة بالماس. بل كانت له حواف مشطوفة مؤكسدة، والتي لم تكن عاكسة أو جميلة بنفس القدر، ولكنها كانت أكثر متانة. وتخيل ماذا؟ بسبب هذه التغيرات البسيطة لم يعد هناك “فضيحة جرح الآي-فون” أو (Scuffgate) ولا شكاوى واسعة النطاق من المستخدمين.
سباق المواد: من الألومنيوم إلى التيتانيوم والعودة
مرت 10 سنوات دون أي مشكلات كبيرة في متانة آي-فون، ويرجع ذلك إلى أن الشركة حلت المشكلة تقريبًا باستخدام معادن أصعب وزجاج أقوى. في عام 2017، كان آي-فون 10 أول طراز يحتوي على إطار من الفولاذ المقاوم للصدأ (stainless steel). كان هذا تحسنًا عن الألومنيوم لأنه كان أكثر صلابة بثلاث مرات، مما جعله أكثر صعوبة في الانحناء وأكثر صلابة بمرتين تقريبًا، مما زاد من مقاومته للخدش.

واصلت آبل استخدام الفولاذ المقاوم للصدأ في طرازات آي-فون ذات الفئة الأعلى حتى عام 2023 مع آي-فون 15 برو. وقد تميز هذا الطراز باستخدام التيتانيوم، الذي يبلغ وزنه تقريبًا نصف وزن الفولاذ مع كونه متينًا بنفس القدر تقريبًا. لكن له عيبًا كبيرًا: السعر. يكلف التيتانيوم حوالي 10 إلى 15 ضعف تكلفة الألومنيوم و 6 إلى 10 أضعاف تكلفة الفولاذ المقاوم للصدأ.
لذلك، عندما كانت آبل تطور آي-فون 17 برو، الذي يستخدم قدرًا أكبر بكثير من المعدن مقارنة بـ 16 برو السابق، فمن المحتمل أن التكلفة العالية للتيتانيوم جعلتها تفكر في بدائل. لأنه لأول مرة منذ 9 سنوات، قررت آبل صنع أغلى هواتف آي-فون لها من أرخص معادنها: الألومنيوم.

ولكن لم يكن الأمر مجرد توفير للمال. أثناء تقديم آي-فون 17 برو، بررت آبل استخدام الألومنيوم بالقول إنه أفضل بـ 20 مرة في التوصيل الحراري من التيتانيوم. وبينما هذا صحيح من الناحية التقنية، فإن تأثيره العملي على الأداء الحراري لـ 17 برو أقل دراماتيكية بكثير. في الواقع، من المرجح أن يكون نظام التبريد الجديد بغرفة البخار في 17 برو هو المساهم الأكبر في أدائه الحراري.
هشاشة آي-فون 17 برو والتصميم المُدان
ما يجعل آي-فون 17 برو هشًا للغاية هو تأثير الحافة (edge effect). تقول تقارير التصنيع إن طبقات الأكسدة تنمو بشكل عمودي على السطح المعالج. ولذلك، تحدث فراغات في جميع الزوايا والحواف الحادة. يميل الطلاء إلى التفتت عند هذه النقاط. يجب شطف جميع الحواف والزوايا بنصف قطر للحصول على طلاء موحد.

هذا هو أكبر سبب وراء هشاشة آي-فون 17 برو. إنه أول طراز يحتوي على نتوء كاميرا مصنوع من الألومنيوم مع حافة مؤكسدة حادة حول المحيط. وهذا القرار أسوأ من الحواف المشطوفة في آي-فون 5، لأن نتوء الكاميرا بارز وأكبر بمرتين تقريبًا من نتوء العام الماضي، مما يزيد من فرصة تعرضه للصدمات، أو الخدش، أو الجرح بجسم آخر. عندما تضع هاتف 17 برو، فإنه يتوازن حرفيًا على نتوء الكاميرا هذا.
بدلاً من جعل هذا الجزء هو الأكثر متانة في الهاتف، جعلته آبل الأكثر ضعفًا. وبالنسبة للأشخاص الذين يقولون إن عليك فقط أن تعتني بهاتفك بشكل أفضل، أقول:
إن على آبل أن تعتني بعملائها بشكل أفضل
بالنظر إلى سعر آي-فون خلال العقد الماضي، فإنه تضاعف تقريبًا. لذا، لا أعتقد أنه من الخطأ أن نتوقع منتجًا أكثر تميزًا.

ما يجعل هذا الوضع أكثر إحباطًا هو أن آبل قد حلت بالفعل مشاكل متانة آي-فون. في عام 2017، توقفت عن استخدام الألومنيوم في الخلف واستبدلته بالزجاج المقوى بالأيونات، وتخلى آي-فون 10 عن الألومنيوم بالكامل لصالح الفولاذ المقاوم للصدأ. ثم في عام 2023، حصلنا على التيتانيوم. على مدى الأجيال الثمانية الماضية، أصبح آي-فون أكثر وأكثر متانة. ولكن هذا العام، أصبح آي-فون أضعف بشكل كبير.

حتى المستخدمون الذين حاولوا حماية آي-فون 17 برو الخاص بهم بغطاء واقٍ اكتشفوا أن الألومنيوم يمكن أن يتضرر مع ذلك من الصدمات. أعتقد أن العملاء محقون في إحباطهم. تفرض آبل سعرًا أعلى بـ 100 دولار على 17 برو مقارنة بالعام الماضي بينما تعطيه مادة أرخص وأقل متانة.

في الختام، من المهم مساءلة شركات مثل آبل عندما تخطئ، لأن هذا الضغط العام هو عادة ما يجبرها على إصلاح المشكلة بهدوء في الإصدارات المستقبلية. هذا ما حدث مع آي-فون 5S بسبب “فضيحة جرح الآي-فون”، ومع آي-فون 6S بسبب “فضيحة الانحناء”، وهو ما نتوقع أن يحدث في العام المقبل مع آي-فون 18 برو نتيجة للضجة التي نثيرها اليوم حول ” فضيحة خدش الآي-فون برو”.
المصدر:



22 تعليق