عادة ما نستفيد من الشركات التقنية بشراء منتجاتهم فقط، لكن لايزال هناك الكثير من الاستفادات الأخرى مثل التعرف على طريقة تفكيرهم ونطبقها، وقد استعرضنا في الجزء الأول من المقال -تجده عبر هذا الرابط– كيف أن عدم تطويرك لنفسك يؤدي إلى انكماش قدراتك ونهايتها، وأيضاً ألا نجعل العداوات تؤدي إلى إلحاق الضرر بالذات وأيضاً أن النجاح غير دائم وغيرها من الأمور التي تجدها تفصيلياً عبر هذا الرابط. وفي هذا المقال نواصل تحليل عقلية الشركات الكبرى من أجل الوصول إلى المزيد من أسرارهم.

ملاحظة: في الأسطر التالية سنحلل أداء الشركات ونوضح كيف تفكر وكيف تخطط، لماذا انهارت إمبراطوريات مثل نوكيا وبلاك بيري، وصعدت أبل وسامسونج، والأهم من ذلك كيف تستفيد منهم في حياتك العادية أو عملك الذي تقوم به. في نهاية المقال سوف يوجد “ملاحظة” ننصح بقراءتها لأنها ستوضح بعض الأمور الهامة وتزيل بعض سوء الفهم الذي قد يحدث.


لديك مشكلة مادية؟ إذا أنفق المزيد (جوبز)

القصة: في بداية 1997 تعرضت أبل لأزمة مالية ضخمة وقاربت على الإفلاس، وتعلقت الآمال برئيس الشركة الذي تم تعيينة قبل أشهر قليلة بأن ينقذها، وكان قرار الرئيس الجديد هو أن أبل سوف تنفق المزيد من المال لتنقذ نفسها من الإفلاس. إذا قال شخص آخر هذا الكلام غير “ستيف جوبز” لاتهم بالجنون، لكن هذا ما حدث وأقنع جوبز صديقه وخصمة اللدود “بيل جيتس” باستثمار 150 مليون دولار في أبل. والنتيجة أصبحت أبل كما نعرفها الآن. وفي أكتوبر 2009 أعلنت نوكيا عن خسائر لأول مرة، قرر مجلس الإدارة تجاهل هذا الأمر باعتباره مؤقت، وبعدها بأشهر طويلة أعلنوا خطة الإنقاذ وذلك بتقليل الأموال التي تنفق وإغلاق المصانع وتسريح نصف العاملين في الشركة. والنتيجة أصبحت نوكيا كما نعرفها الآن.

التفسير والدرس: إذا أخبرت أحداً أنك تعاني من أزمة مالية فأجاب أن عليك إنفاق المزيد لذهبت بصديقك هذا إلى مستشفي الأمراض العقلية، كيف أعاني من أزمة مالية فأنفق المزيد؟! المنطقي أن أقلل الإنفاق. لكن هذا عكس ما فعلته أبل وجوبز، فكما أوضح لاحقاً بأن تعرضك لخسائر يعني أن إمكانياتك وقدراتك الحالية غير كافية، الحل هو أن تنفق المزيد في الأبحاث والتعليم لتحصل على مهارات جديدة تنمي بها قدراتك فتزيد دخلك، أما إذا قلصت الإنفاق فأنت بالتالي تقلل مهاراتك ويؤدي هذا إلى أن يقل الدخل، فتقلل نفقاتك لتتوافق مع الدخل الجديد فيقل المخصص للتطوير فيقل الدخل أكثر وهكذا حتى ينتهي بك الحالي إلى صفر.

كم منا قرر أن يلغي فكرة أخذ كورسات ودورات تدريبية لأنه يواجهة أزمة مالية ودخلة ينخفض مع الوقت؟ وهل انتهت الأزمة بعد الغاءك للدورات وتطوير نفسك؟! أظنك الآن علمت السبب.


المخاطرة سر النجاح (سامسونج)

القصة: في 1995 قرر “لي كون هي” مالك سامسونج ونجل مؤسسها أن تتغير فلسفة شركته وأن تتوفق على الكفاح الصعب في أسواق غير معدة لها، فمثلاً حصة هواتفها في كوريا 10% فقط وموتورلا 60%. وقال “لي” أن الشركة من الآن سوف تركز على الأبحاث وتطوير المنتجات الداخلية مثل الشاشات وكروت الذاكرة والمعالجات وغيرها، ووضع خطة طويلة وهذا القرار أدى إلى تقليص أرباح الشركة لكنه أصر على الخطة وبناء أرضية صلبة للشركة للإنطلاق وبالفعل وفي 2005 أطاحت بـ “سوني” كأكبر مصنع إلكترونيات، وفي 2007 تفوقت على موتورلا وأصبحت ثاني أكبر مصنع هواتف فالعالم، وفي 2010 كانت تنتج 97% من انتاح العالم لشاشات OLED و 40% من كروت الذاكرة و26% من الـ LCD وغيرها. والآن سامسونج سامسونج أكبر مصنع هواتف في العالم وأصبح أكبر عملاءها هم “أبل وسوني” منافسيها.

التفسير والدرس: قرار “لي” كان صعباً بأن تغير شركة بحجم سامسونج للإلكترونيات استراتيجيتها، لكنه أصر على المخاطرة وأن عليك إذا أردت الإنطلاق أن تبني أرضية صلبة تقف عليها لتنطلق، وهذا ما حققه لي. وهذا يقدم لنا درسين؛ الأول: عليك أن تعد نفسك جيداً قبل الإنطلاق في مشروعك أو أي أمر تقدم عليه وإلا ستظل تكافح وتعاني وتقول “يالتني تعلمت كذا قبل الإقدام على هذا الأمر”. الدرس الثاني هو أنه كلما زادت نسبة المخاطرة فسوف يزيد العائد -لهذا الأعمال الغير قانونية تدر أرباح ضخمة لأنها ذات مخاطر كبيرة-، والمخاطرة شيء صعب لأنك إذا فشلت ستفقد كل شيء، لذا تأكد أن هذا الطريق لن يسلكه الكثيرون، فإن كان قراراتك هى “سأفعل الشيء المضمون” فتأكد تماماً أن هناك ملايين يفعلون نفس الشيء ويسلكون نفس الطريق المضمون وستصبح أنت “واحد” من هؤلاء الملايين.

إذا لم تخاطر فلا تتعجب أنك تحصل على ما يحصل عليه غيرك، فأنت ببساطة تقوم “بالمضمون” كما يقوم به غيرك فلماذا تتوقع أن تحصل على شيء آخر خلافهم؟!!!. وتذكر أبيات الشعر “ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفر” وأيضاً “ويفوز باللذات كل مجازف ويموت بالحسرة من يدرى العواقب.”


الناس لا تشتري “ماذا” بل تشتري “لماذا”

القصة: لطريقة عرض أبل لمنتجاتها سحر خاص، فمهما كنت تكرهه أبل ومنتجاتها لكنك تستمتع بطريقة العرض والدعايا، لكن هل لاحظت أننا قليلاً ما نسمع أبل تذكر أن جهازها “الأسرع” مثلاً فأبل عند استعراضها للميزة تركز على “لماذا صنعتها” وكيف أنها ستجعل حياتك أجمل وأفضل. إذا تصفحت موقع أبل الآن وذهبت إلى “فيس تايم” لن تجد أبل تقول أنه الفيس تايم هو الأكثر جودة أو  أو بل هناك عبارات مثل”عندما لا يمكنك أن تكون موجوداً هناك فعلى الأقل يمكن أن تكون على الشاشة” وأيضاً “شارك أصدقاءك الأخبار الجميلة أو حتى قل لمن تحب وهو مسافر تصبح على خير” أبل تبيعك الأحاسيس وتجعل من يقرأ يقول “أريد أن أشعر هذا الشعور”.  فلماذا تفعل أبل هذا ولما لا تركز على المزايا بشكل أساسي.

التفسير والدرس: مختلف الشركات تربط العميل بها عن طريق المواصفات، وبالتالي إذا وجدت هذه المواصفات في مكان آخر فيمكنه تغيير جهازه بسهولة، أما أبل فتربطهم بمشاعر جميلة -تستخدم أبل عشرات الطرق وليس فقط الكلمات- لذا يتعجب غير مستخدمي أبل لماذا يقف عشاقها بالأيام أمام المتاجر، ولماذا لا يقتنعون أن ميزة “كذا” أفضل في سامسونج مثلاً. لأنه ببساطة من غير المعقول أن تقول لشخص أترك مشاعر راحة نفسية واحصل على هذه العلبة البلاستيكية فهي أفضل من مشاعرك. كما ستجد عدداً كبيراً من مستخدمي أبل عندما ينتقدون الأندرويد فإنهم بجانب “غير آمن وبطيء وو” يذكرون “لم أرتاح معه، شعرت أن هناك شيء ناقص، غير جميل”. ومن هنا نتعلم أنه إذا أردت بناء روابط قوية مع من حولك من أفراد أسرتك أو عائلتك أو حتى عملاء شركتك فلا تجعل أبل الرابط شيء مادي فإذا حصلوا عليه من مكان آخر تركوك، بل أجعل الرابط احساس ومشاعر لن يمكنهم الحصول عليها في مكان آخر سواك.


الخلاصة:

1

معنى إنفاق المزيد لا ينفي أن عليك البحث عن الأموال المهدرة في أمور ثانوية ورفاهيات وتتخلص منها، بل المقصود أن وقت الأزمة يعني أن ما تنفقه لتطوير نفسك غير كاف وعليك إضافة المزيد.

2

عندما ذكرنا مخاطرة سامسونج بتغيير الاستراتيجية وحثنا الجميع على المخاطرة فهذا لا يعني أن تخاطر بشكل إندفاعي أهوج، فسامسونج درست المجال جيداً ثم أقدمت على الخطوة ولم يكن قراراً لحظياً، المطلوب هو أن تدرس المجال جيداً وتسعى لأخذ كل الاحتياطات لكن بالطبع يظل هناك مجهول ومستقبل غامض ومهما درست فلن تصل إلى 100% أمان.

3

لا يعني استخدام أبل للمشاعر أنها تقدم منتجات لا تستحق ثم تضحك على المستخدم ببعض العواطف، أبل تسعى لإضافة عامل ربط قوي لا يمكن لمنافسيها مجاراتها فيه. فمهما فعلت سامسونج مثلاً فلن تربط مستخدمها عاطفياً بأجهزتها كما تفعل أبل.

4

الدورس المستفادة من طريقة عمل الشركات يمكنك تطبيقها في شتى أنحاء حياتك سواء مع أسرتك أو عملك أو مجتمعك بدون قيود عدا أن يكون الأمر الذي ستتطبقه فيها يخالف الدين والأخلاق.

يمكنك مراجعة الجزء الأول من المقال والذي استعرضنا فيه العديد من النقاط الأخرى عبر هذا الرابط

ما رأيك في طرق تفكير الشركات الكبرى؟ وهل تراها مفيدة لنا حقاً؟ شاركنا رأيك

مصادر المعلومات wired | wikipedia

مقالات ذات صلة